إن الذي صان الإسلام وأبقاء حياً وصل إلينا نحن المجتمعين هنا هو الإمام الحسين (ع) الذي ضحى بكل ما يملك وقدم الغالي والنفيس، وضحى بالشباب والأصحاب من أهله وأنصاره في سبيل الله عزوجل، ونهض من أجل رفعة الإسلام، ومعارضة الظلم.
لقد ثارالحسين (ع) بوجه تلك الامبراطورية التي كانت أقوى الامبراطوريات القائمة آنذاك في هذه المنطقة، بعدد قليل من الأنصار، فانتصر وكان الغالب رغم استشهاده هو وجميع من معه.
ونحن السائرون على نهجه والمقتفون لآثاره، والمقيمون لمجالس العزاء التي أمرنا بها الإمام جعفر الصادق(ع) وأئمة الهدى (ع) انما نكرر عين ما كان، ونقول ما كان يقوله الإمام ويروم تحقيقه، ألا وهو مكافحة الظلم والظالمين.
ونحن وخطباؤنا إنما سعينا لابقاء قضية كربلاء حية، قضية مواجهة الثلة المؤمنة القليلة لنظام طاغوتي متجبر. ونهوضنا بوجهه مستمرة متواصلة.
لقد حفظت هذه المآتم شعبنا وصانته، ولم يكن عبثاً أن ضيق جلاوزة رضاخان على إقامة هذه المجالس، كذلك فأن رضاخان لم يكن ليبادر هو بنفسه إلى معارضة إقامة هذه المجالس، بل أنه كان ينفذ توجيهات وأوامر أولئك الخبراء الذين كانوا يعدون الدراسات ويرصدون هذه الأمور. فاعداؤنا كانوا قد درسوا اوضاع الشعوب، وامعنوا النظر في أحوال الشيعة فتواصلوا إلى حقيقة عدم تمكنهم من بلوغ غاياتهم وتحقيق مقاصدهم الخبيثة ما دامت هذه المجالس موجودة. وما دامت هذه المراثي بحق المظلوم، وما دام يجري من خلالها فضح الظالم وممارساته، ولذلك فقد ضيقوا الخناق في عهد رضاخان على إقامة المواكب والمجالس الحسينية في إيران، وصدوا من حرية الخطباء والعلماء في ارتقاء المنبر وممارسة الخطابة والتبليغ، وشنوا حملة تبليغ شعواء، فأعادونا القهقرى ونهبوا كل ثرواتنا.
وفي زمن الملك محمد رضا مارسوا الدور ذاته ولكن بأسلوب آخر يختلف عن أسلوب الجبر والاكراه، فقد أرادوا إخراج هذه الفئة من الميدان، أما إلأن فالقصد هو ذاته الذي اريد تحقيقه في عهد رضاخان والذي اريد منه الحد من تأثير المجالس الحسينية.
فقد ظهرت الآن فئة تقول: لنترك المجالس وقراءة المراثي، انهم يجهلون أبعاد ومرامي المجالس الحسينية، ولا يعلمون أن ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين (ع) وانها تبع لتلك النهضة وشعاع من أشعتها، انهم لا يعون أن البكاء على الحسين يعني احياءً لنهضة واحياء لقضية امكانية نهوض ثلة قليلة بوجه أمبراطورية كبرى، إن هذه القضية منهج حي لكل زمان ومكان، ف (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلا) منهج يعني أن علينا أن نستمر في الثورة والقيام والنهوض امتداداً لتلك النهضة في كل مكان وفي كل يوم طبقاً لهذا المنهج فالإمام الحسين ثار بعدد قليل وضحى في سبيل الإسلام بكل شيء واقفاً بوجه امبراطورية كبرى ليقول «لا».
فلا يتصور أبناؤنا وشبابنا أن القضية بكاء شعب لا غير ! وأننا (شعب بكاء) ! على مايريد الآخرون أن يوحوا لكم به، انهم يخافون من هذا البكاء بالذات، لأنه بكاء على المظلوم، وصرخة بوجه الظالم، وهذه المواكب التي تجوب الشوارع للعزاء انما تواجه الظم وتتحدى الظالمين، وهو ما ينبغي المحافظة عليه، انها شعائرنا الدينية التي ينبغي أن تصان وهي شعائرسياسية يلزم التمسك بها. حذا من أن يخدعنكم هؤلاء الكتاب الذين يهدفون إلى تجريدكم من كل شيء وذلك تحت أسماء ومرامي منحرفة مختلفة. فهم يرون أن مجالس العزاء هذه وذكر مصائب المظلوم وجرائم الظالم في كل عصر انما تدفع إلى الوقوف بوجه الظالم.
إن هؤلاء الذين يطالبوننا بالكف عن المآتم والمجالس الحسينية لا يعلمون أن هؤلاء المقيمين لهذه الشعائر انما يقدمون لهذا البلد وللإسلام أسمى الخدمات، وعلى شبابنا أن لا ينخدعوا بتخرصات هؤلاء وادعاءاتهم، أنهم ـ أيها الشبان ـ أناس خوته، هؤلاء الذين يوحون إليكم بأنكم «شعب بكاء» فاسيادهم وكبراؤهم يخشون هذا البكاء، والدليل على ذلك أن رضاخان أقدم على منع كل تلك المواكب والمآتم وكان مأموراً بذلك ، فبريطانيا صرحت عبر إذاعة نيودلهي بأنها هي التي جاءت برضاخان غلى السلطة وانها هي التي أزاحته، وحقاً ماقالته بريطانيا، فقد جاءوا به للقضاء على الإسلام، وكان أساليبه هو منعكم من إقامة هذه المجالس، فينبغي أن لا يتصور شبابنا بأنهم يقدمون خدمة عندما يغادرون المجلس حينما يتعرض الخطيب لذكر المصيبة، هذا تصرف خاطئ جداً، ينبغي أن تستمر المجالس بإقامة العزاء، ينبغي أن تذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى، بل أن هذا يجب أن يقام كل يوم، فأن أبعاداً سياسية واجتماعية غاية في الأهمية.
*كلمة الامام الخميني حول محرم وعاشوراء في جمع من علماء غرب طهران بتاريخ 21/9/1979