ليس من اليسير أن تقدّم لأي كلمة أو عبارة فيها لاسم الإمام الخميني (قده) دخالة، بل ويصبح من المتعذّر أن تشرح للقارئ كتاباً أو فكرةً يطرحها هذا المرجع والقائد العظيم، وما بالك إذا جال خاطر الإمام (قده) في واحدة من أهم مناهج الحياة الدنيا وفرائضها والتي إن قُبلت قبل ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، لكنه رضوان اللَّه عليه وهو المربّي العطوف يأبى إلاّ أن يتواضع لنا نحن المساكين فيخطُّ بيمناه الملكوتية بعضاً من معاني الصلاة بما لها من ظاهر وباطن. وقد وضع (قده) في هذا الكتاب شطراً من الآداب القلبية لهذا «المعراج الروحاني» كما يعبّر عنها، فحريٌ بنا أن نبذل بعض الجهد لننهل من هذا المعين الصافي المقدّس.
عبارات ومصطلحات خاصة
بداية نلفت انتباه القارئ إلى أن الإمام الخميني (قده) كثيراً ما يستخدم عبارات ومصطلحات خاصة قبيل «التعلّق، الكمال المطلق عبودية، السلوك، الحجاب، الحقائق، الخشوع والمشاهدة وغيرها..» وهو لا يطرحها كمفردات معقّدة بحيث يصعبُ إدراك المطالب التي يعالجها، لكن الواقع يُظهر من خلال سيرة هذا الإمام العظيم أن نفس هذه المصطلحات والمفردات تضيق وتعجز عن إيصال المضمون الفكري والعرفاني لإمامنا الراحل (رضوان اللَّه عليه). ولا بأس بالقارئ الذي قد يتوقّف عند عبارة منها أو مصطلح أن يسألَ ويستفسر من أهل المعرفة المدركين لخط الإمام ونهجه، وأن يحذر من الوقوع في التفسير الشخصي لمثل هذه المصطلحات بما يخرج عن المعاني التي أرادها الإمام رحمه اللَّه.
آدابٌ ضرورية
قُسِّم هذا الكتاب إلى ثلاث مقالات كل منها يتضمّن عدة فصول أو عدة أبوابٍ وفيها فصول. فأمّا المقالة الأولى والتي يتفّرع منها اثنا عشر فصلاً فقد تناولت وبعبارات الإمام الجذّابة التي تحاكي عقل الإنسان ووجدانه جملة من الآداب تدعو السالك في مسار العبودية الحقّة للخروج من أنانية النفس والتعلق بالكمال المطلق، ثم يشير لمراتب أهل السلوك الذين إذا ما قدّر لهم أن يخرقوا حجاب العلم وصار ما في عقولهم على صفحة القلب فإنهم سيدركون مرتبة حصول الإيمان بالحقائق لتليها مرتبتا الاطمئنان والطمأنينة ثمَّ المشاهدة.
القلب والخيال وحبُّ الدنيا
هذا ويركّز الإمام فيما يقرب من فصولٍ سبعة على موضوع خشوع القلب في الصلاة ويقول أنَّ من هذه القلوب ما هو عشقي متوجّهٌ إلى جمال المحبوب وآخر خوفي متوجّهٌ إلى مظاهر الجلال والكبرياء والعظمة، ويحضُّ على تكرار الأذكار ليحصل بها سكون القلب واطمئنان الخاطر، ثم يدعو رضوان اللَّه عليه للحفاظ على العبادة من تصرّف الشيطان وينصح بالنشاط والبهجة واحتراز التكلّف والكسل لتكون الصلاة في أفضل صورها، ثم يأتي إلى بيان «التفهيم» فيدعو المرء أن يعوّد قلبه على الذكر فيعلّمه ذلك كطفلٍ صغير فإذا أصبح الذكر ملكةً في القلب صار بعدها اللسان ذاكراً بواسطة القلب. ويتحدّث الإمام عن حضور هذا القلب وكيفية تحصيل هذا الحضور ثم يركّز على موضوع الخيال كونه فرّاراً ويشير إلى صعوبة حبس هذا الخيال ويقول إنَّ أفضل طريقة لتصحيح وضعيته هي طريقة العمل بالخلاف ثم ينهي مقالته الأولى بالحديث عن حب الدنيا ويحذّر منها لأنها منشأ تشتت الخيال المذكور.
مقدمات الصلاة
تعالج المقالة الثانية وفي خمسة أبواب فيها فصول عديدة ما يعبِّر الإمام (قده) عنه بالمقام، وفي الباب الأول منها موضوع الطهارة في أجمل معانيها فيفرد لها سبعة فصول يذهل القارئ فيها بأسلوب الإمام الخاص ولغته النوعية، ويتكلم عن التطهيرات بما هي ظاهرةٌ وباطنة ويحذر من قذارة الجهل المركب ويسميه «بالداء العضال» وهو إنكار مقامات أهل اللَّه وأرباب المعرفة، وأمّا مراتب الطهور فكلّما كان السالك أقرب من أفق النبوة فهو من أصحاب اليمين وكلّما تلوّث وكان أقرب من أفق الشيطان فهو من أصحاب الشمال. ويشبّه المؤمن المخلص الخالص أنه «كمثل الماء» وأن أهل المعرفة يعبّرون عن الماء بالرحمة الواسعة الإلهية، ثم يربط بين الرحمة الرحيمية ومظاهرها الأنبياء والرسل وبين التطهير بماء الرحمة، ويذكر إمامنا العظيم رواية لمّا جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه (ص) يسألونه فيما سألوه عن علّة الوضوء فأجابهم (ص) بما يأخذ مجامع القلب ومن المفيد جداً للقارئ الكريم أن يطالعها.
ويُنهي الباب الأول بالحديث عن طهور الباطن من الحدث الأكبر وعن الشيطان الذي لحظ الظاهرية بنظرته الدونية لترابية آدم ورأى نفسه من مقام ناريته، وينصح الإمام بتطهير النفس عند تطهير الأرجاس الصورية لكي لا نقع بما وقع به الشيطان.
آداب مختلفة
تتوزَّع جملة من الآداب التي تحدَّث عنها الإمام من الباب الثاني وحتى الخامس ولكل منها تفصيلها في الكتاب وأول ما يبدأُ به آداب مطلق اللباس وأنَّ على المرء أن لا يختار لثيابه ما يؤثّرُ سلباً على باطنه وليعلم هذا الإنسان أنه لو كان في اختيار الثياب فخرٌ «فهو للقزِّ والغنم والإبلِ والسنجابِ والأرنب». ويفصّل في مقام آخر فيقدّمُ نبذةً من آداب لباس المصلّي ثم يتحدّث في فصلٍ آخر في الاعتبارات القلبية لستر العورة حيث المطلوب من السالك أن يستر جميع عوراته الظاهرية والباطنية لحفظ المحضر وأدب الحضور. أما في الآداب القلبية لمكان المصلي فيقول أن في ذلك مقامات ثلاثةً أولها النشأة الطبيعية الظاهرية الدنيوية ومكانها أرض الطبيعة وثانيها نفس السالك وهي أرض نفسه وهي مسجد الربوبية وثالثها النشأة الغيبية للسالك ومحلّها البدن البرزخي الغيبي للنفس. وبعد أن يتطرّق لآداب إباحة المكان يأتي إلى الآداب القلبية لوقت الصلاة «فهي ميقات المناجاة وميعاد الملاقاة مع الحق»، وقبل أن يختم الباب الخامس بالحديث عن آداب الاستقبال يصف الصلاة «... إنها معجون روحاني قد هُيّء بيدي الجمال والجلال للحق وأجمعُ وأكملُ من جميع العبادات...». وفي الكلام عن استقبال القبلة يقول أنَّ لذلك ظاهراً يتقوّم بأمرين:
1 صرف الوجه الظاهر عن جميع الجهات المتشتتة.
2 «نفسيٌ»: وهو الاستقبال بالوجه إلى الكعبة أمُّ القرى ومركز بُسطِ الأرض.
وأما الآداب القلبية للاستقبال ففيها أمران فطريان:
1 صرف الظاهر عن الغير.
2 التوجه إلى القبلة (محل ظهور يد اللَّه وقدرة اللَّه).
في مقارنات الصلاة
لأنَّ هذا الكتاب شامل لموضوع الصلاة بكل ما للكلمة من معنى فقد أخذ الإمام الراحل (قده) في المقالة الثالثة والأخيرة يشرح ومنذ البدء معنى الأذان والإقامة وأركان الصلاة وفروعها وبعض مستحباتها وصولاً إلى التعقيب. ومن المؤكّد أنَّ الذي يُوفّق لقراءةِ وفهمِ كتاب الآداب المعنوية للصلاة فإنّه سيشعر وكلٌ بحسب سعة وعائه بفائدة ستساهم في تغيير فهمه وتعاطيه مع الصلاة عن ذي قبل، لأنَّ «من تساوى يوماه فهو مغبون»، وها هو الإمام الخميني (قده) رجل التاريخ وأستاذ المعرفة والنصيحة والمربّي وفي الباب الأول من هذه المقالة، وهو من أصل ثمانية أبواب، يقول فيما يخصُّ الحديث في الأذان والإقامة والتكبير: «ومن الآداب المهمة للتكبير أن السالك عليه أن يجاهد ويجعل قلبه محلاً لكبرياء الحق جلّ جلاله بالرياضات القلبية ويحصر كبر الشأن والعظمة والسلطان والجلال بذات الحق المقدسة جلَّ وعلا ويسلب الكبرياء عن سائر الموجودات». وتجدرُ الإشارةُ إلى أهمية أن يطالع القارئ معظم المراجع والحواشي التي يرفقها الكتاب بكل فصل أو مقام لما فيها من روايات تؤيّد المطالب والشروحات أو المبادئ والأفكار التي يعالجها الإمام الخميني (قده).
في القيام والركوع والسجود
يقول الإمام (قده): «اعلم أن أهل المعرفة يرون القيام إشارةً إلى التوحيد الأفعالي، كما أنَّ الركوع عندهم إشارة إلى التوحيد الصفاتي والسجود إلى التوحيد الذاتي»... وفي حواشي هذا الفصل يتحدث الإمام عن معنى الاعتدال. وتعميماً للفائدة يُنصحُ بمطالعة تفاصيلها. كذلك يأخذ الإمام بالحديث عن آداب القيام ويذكر حديثاً لمعاني الصلاة.
ومن الباب الثالث إلى الباب الثامن يعالجع الإمام طيَّب اللَّه ثراه أهم قضايا الصلاة والتي لا يسع المجال لذكر مقتطفاتها وللقارئ أن يجتهد ويسعى. وانطلاقاً من الباب الذي ذكرنا يبدأ الإمام الحديث في سرِّ النيّة وآدابها ثمَّ يحذر منكري المقامات وطوائفهم من قصور الفهم عن هذه المقامات، ثمَّ يتحدّث في بعض درجات الإخلاص. وفي الباب الرابع يأخذنا الكلام إلى نبذة من آداب القراءة وشيءٍ من أسرارها، إضافة لبيان إجمالي في تفسير سورة الحمد. وفي الباب الخامس يأتي على نبذة من آداب الركوع وأسراره وفي السادس يذكر إشارة إجمالية في أسرار السجود وآدابه وأمّا السابع فهو في آداب التشهد. وفي الثامن والأخير يتحدث عن آداب السلام. وينتهي بالحديث عن التسبيحات الأربع والقنوت والتعقيب، ويختم بالدعاء.
يعتبر كتاب الآداب المعنوية للصلاة من بركات الإمام الخميني الراحل التي لا بد من الاستزادة منها وهو يقع في خمسمائة واثنين وسبعين صفحة من الحجم الكبير.
من وصية رسول اللَّه (ص) لأبي ذر قال: «... يا أبا ذر من أقام ولم يؤذّن لم يصلِّ معه إلا ملكاه اللذان معه» الآداب المعنوية ص271.