قبل فترة قصيرة من رحيله المؤلم، سأل الامام يوماً عن احدي الشخصيات العلمية بالحوزة العلمية في قم. وعلى الرغم من أن هذه الشخصية تعتبر من الوجوه العلمية والاخلاقية والمعنوية البارزة، إلاّ أنها مجهولة على المستوي الشعبي، فأمر الامام أن يرسل اليه مبلغاً من المال. وقد تقرر أن أذهب أنا الي قم للقائه وتسليمه المبلغ المذكور. ونظراً لأن ذلك كان في شهر رمضان وكانت هناك مشكلة السفر بقصد الإقامة، فقد تأخر الامر بعض الشيء. وبعد ذلك تدهورت صحة الامام ونقل الي المستشفي ومن ثم انتقل الي الرفيق الاعلى، ورغم كل ذلك لم أتمكن من تسليم الامانة. ومن أجل تصفية الحسابات وتسليم الاموال الي ادارة الحوزة العلمية في قم- بناءً على وصية الامام- قمت باستبدال الحوالة المذكورة الي شيك مصرفي و توجهت الي قم، غير أن الشخص لم يكن موجوداً في قم. وأعدت الكرة مرة واثنتين وثلاث، وأخيراً تمكنت من العثور علىه بعد عدة أشهر. في البداية اتصلت به هاتفياً وعرّفته بنفسي. ونظراً للمعرفة القديمة التي كانت يبننا وألطافه على التي تمتد الي عام 1342شمسي، فقد فرح كثيراً. وعندما قلت له أن لدي أمانة لك من الامام، يبدو أنه سمع بالخطأ، فأعدت علىه القول ثانية: توجد أمانة لك عندي من الامام، واعتذرت له عن التأخير. ورغم كل اللباقة والبيان اللذين كان يتمتع بهما، قال متلكئاً: من الامام؟ الامام... ماهذه الامانة! لقد خنّفته العبرة وأخذ يبكي دون أن ينطق بكلمة. وحسب الموعد انطلقت متوجهاً صوب منزله. وعندما وصلت رأيته واقفاً قلقاً ينتظرني في الزقاق. دخلت منزله المتواضع وجلست في غرفة الاستقبال.. كانت الساعة الثالثة عصراً تقريباً. وفي صيف قم الحار ليس بوسع المروحة اليدوية الصغيرة العاطلة أن تقلل من سخونة الجور وحرارة استقباله لنا.. لم يستطع أن يصدق بعد أنني جئت اليه مبعوثاً من قبل الامام. لم يصدق بعد أن يتسلم أمانة من الامام رغم مرور ثلاثة أشهر على وفاته. فضلاً عن أنه لم يكن يعلم ما هي هذه الامانة؟.. حلّ البكاء محل تفقد الاحوال. وقد حاولت أن اوضح له ماحدث. وكان يبكي بحرقة. شعرت بأن هذا البكاء لم يكن إعتيادياً، ولابد من وجود أمر ما ورائه. وأخيراً تمكن من النطق بالتدريج. إتضح تأثره بشدة لما علم أن الامام كان يفكر به رغم عدم وجود سبب ما، وتجددت حرقته على فقدان الامام. كان لطف الامام بجانب، وتوجيهاته بايصال المبلغ المذكور اليه وتأخره الي ماوراء رحيله وعدم وجوده في قم، واخيراً وصول الامانة نهاية الشهر وفي تلك الساعة، من جانب آخر. وقد علمت بنحو ما أن اسرة هذا العالم لم يكن لديها ما تأكله في ذلك اليوم.( مقتطفات من سيرة الامام الخميني،ج1،ص255).