لقد أوشك يزيد وجلاوزته الجائرة أن يمحوا الإسلام ويضيعوا جهود النبي (ص) المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء.
*****
لقد كاد الدين الإسلامي يندثر ويتلاشى نتيجة انحرافات حثالات الجاهلية وخططهم الهادفة لأحياء العصبية القومية برفعهم شعار «لا خبر جاء ولا وحي نزل» فقد عملوا على تبديل حكومة العدل الإسلامي إلى حكم ملكي امبراطوري وعزل الاسلام والوحي وانزوائهما حتى نهض فجأة رجل عظيم تغذى من عصارة الوحي الإلهي وتربى في أحضان سيد الرسل محمد المصطفى (ص) وسيد الاولياء علي المرتضى(ع) وترعرع في أحضان الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع)، فانتفض ثائراً ليصنع ـ ومن خلال تضحيته الفذة ونهضته الإلهية ـ أكبر ملحمة جهادية في التاريخ.
*****
لقد أوشك حكم بني أمية المنحط أن يظهر الإسلام بمظهر الحكم الطاغوتي ويشوه سمعة النبي الاكرم (ص) ، وقد فعل معاوية وابنه الظالم ما فعل ضد الإسلام وارتكب ما لم يرتكبه جنكيزخان ضد إيران ، فقد بدلا أساس عقيدة الوحي ومعالمها إلى نظام شيطاني.
لقد رأى سيد الشهداء(ع) أن معاوية وابنه ـ لعنة الله عليهما ـ يعملان على هدم الدين وتقويض أركانه، وتشوية الإسلام وطمس معالمه. لقد جاء الإسلام ليصلح سلوك الإنسان، ولم يأت لكي يستحوذ على السلطة.
لقد حاول ذلك الأب والابن ( أي معاوية وابنه يزيد) طمس معالم الدين وتشويه صورته الناصعة مثلما عمل هذا الأب والابن (رضاخان وابنه محمد رضا) - آخر ملكين حكما إيران - بالنهج نفسه، فمعاوية وابنه كانا يشربان الخمر، ويؤمان المصلين أيضاً ، وكانت مجالسهما من مجالس اللهو واللعب والطرب حيث تمارس فيها كل الانحرافات، ثم تقام بعد ذلك صلاة الجماعة، فيؤمان تلك الجماعة. تصوروا لاعب ميسر يصبح إمام جماعة! كانا يتوليان إمامة الجماعة، وكانا يؤمان الجمعة ويرتقيان منبر الخطابة فقد كانا خطيبين يتحركان ضد رسول الله (ص) باسم خلافة رسول الله (ص).
*****
لقد كان يزيد هو الآخر حاكماً جائراً، يتمتع بكل مظاهر الملكية، وجاء بعد معاوية طبعاً، فبأي حجة قام سيدالشهداء(ع) ضد سلطان عصره ؟ وبأي دليل ثار على من كان يعد نفسه (ظل الله ) ؟
ولما كان من غير المناسب مس السلطان، فلماذا ثار ضد سلطان عصره؟ ألم يكن سلطان عصره ينطق بالشهادتين ويقول اني خليفة رسول الله (ص) . لقد ثار الحسين (ع) بوجهه لانه كان شخصاً سيئاً، يريد استغلال الشعب ويأتي على ثرواته وينهب خيراته، ويستولي عليها هو وجلاوزته.
*****
إن الخطر الذي كان يمثله معاوية ويزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة، فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر وهو انهما حاولا جعل الإسلام عبارة عن ملكية وبذريعة انهما خلفاء رسول الله (ص) ـ قلبا حقيقة الإسلام إلى نظام طاغوتي. لقد كان هذا الأمر مهماً لدرجة أن من سبقوهم لم يضاهوهم في الحاق الضرر بالاسلام ولم يبلغوا ما بلغاه. فقد حاولا قلب حقيقة الإسلام.
لم تكن القضية قضية غصب الخلافة فحسب، لقد كان قيام سيد الشهداء (سلام الله عليه) وثورته قياماً ضد السلطة الطاغوتية ... تلك السلطة التي كانت تريد أن تصبغ الإسلام بصبغة أخرى ولو انها نجحت في ذلك لأصبح الإسلام شيئاً آخر تماماً، ولصار مثل النظام الامبراطوري الذي كان قائماً لألفين وخمسمائة عام (في ايران).
إن شهادة الإمام الحسين(ع) لم تكن هزيمة، فثورة سيد الشهداء (سلام الله عليه) كانت قياماً لله، وليس في القيام من أجل الله اية هزيمة.
*****
لقد تحرك سيدالشهداء(ع) مع عدد قليل من الأنصار وثار بوجه يزيد الذي كان حاكماً متجبراً يرأس حكومة غاشمة جائرة، ويتظاهر بالإسلام ويستغل قرابته وصلته العائلية بالإمام(ع). لقد كان رغم تظاهره بالإسلام وزعمه أن حكومته حكومة إسلامية وأنه خليفة رسول الله (ص) كان رجلا ظالماً يهيمن على مقدرات بلد دون حق. لذا فان الإمام أبا عبدالله الحسين (ع) ثار بوجهه مع قلة الأنصار لأنه رأى أن واجبه وتكليفه يقتضي ذلك ، وان عليه أن يستنكر ما يحدث وان ينهى عن المنكر.
*****
عندما يرى سيد الشهداء(سلام الله عليه ) أن حاكماً ظالماً يحكم في الناس بالجور والعدوان فانه يقول: من رأى حاكماُ جائراً يحكم في الناس بالظلم والجور فعليه أن يقوم بوجهه ويمنعه من الظلم بما يستطيع ولو كان معه بضعة أنصار فقط يقفون معه بوجه ذلك الحاكم ذي الجيش العظيم الجرار.
*****
لما أراد الحسين (ع) أن يثور خطب في الناس خطبة أوضح فيها أسباب الثورة وأسقط عذر من يتذرع.
قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار : إن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال : «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهدالله مخالفاً لسنة رسول الله(ص) يعمل في عبادالله بالأثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله».
فلننظر ما ذا فعل يزيد ليثور سيد الشهداء(ع) ضده ويصفه بما وصفه وسلك ذلك النهج، فالموضوع الذي تكلم به الإمام سيد الشهداء(ع) يخص الجميع ، فهو يقول: (من رأى) يعنى كل من رأى وعاصر سلطاناً جائراً يتصف بتلك الصفات وبقي ساكتاً أمامه لا يعارضه بقول ولا فعل فان مصيرة ومآله هو نفس مصير ومآل ذلك السلطان الجائر.
لقد كان يزيد رجلا متشبثاً ـ حسب الظاهر ـ بالإسلام ويعد نفسه خليفة لرسول الله (ص) ويؤدي الصلاة أيضاً، ويمارس كل ما نمارسه نحن، ولكن ماذا ارتكب غير ذلك؟ إنه اقترف المعاصي وخالف سنة رسول الله (ص). وكان يخالف اسلوب رسول الله (ص) في معاملة المسلمين وصيانة دمائهم وحفظ أموالهم، فهو يسفك الدماء ويهدر الأموال ويبذرها، وهي نفس الأفعال التي كان يقوم بها أبوه معاوية والتي دعت أميرالمؤمنين (ع) إلى معارضته. كل ما في الأمر أن الإمام علياً (ع) كان يمتلك جيشاً في حين لم يمتلك الحسين (ع) سوى عدد قليل في مواجهة حكومة مقتدرة.