قبل أن نتحدث عن استخدام الإمام الخميني رضوان الله عليه للشعارات الحسينية والكربلائية في طريق الثورة الإسلامية في إيران وتحقيق أهدافها فإن علينا أن نشير أولاً إلى نظرة الإمام الخميني للعلاقة بين الثورة الإسلامية في إيران وثورة الحسين(ع) في كربلاء، وذلك أن الشعارات عند الإمام "قدس سره" ليست إلا تعبيراً صادقاً ومضغوطاً عن العقائد والأفكار والأهداف التي كان يؤمن بها ويؤمن بإمكان تحققها في الحياة، وكان يجد أن الشعار الملتزم والصادق وسيلة ناجحة ومفيدة لتركيز تلك العقائد والأفكار والأهداف في أذهان عموم أفراد الشعب والأمة والمساعدة في تحويل كل ذلك إلى حقيقة وواقع معاش.
ونحن عندما نبحث في كلمات الإمام الخميني نجد أن كربلاء الحسين(ع) كانت تسكن قلبه وعقله وفكره وروحه، وأن سيرة ومواقف أبي عبد الله الحسين(ع) كانت تحكم سلوكه وعمله ومواقفه. فهو يعتبر أن كل ما تحقق لإيران والشعب الإيراني من ثورة وعزة وكرامة وتقدم وخير هو من كربلاء ومن عاشوراء «إن كل ما لدينا هو من عاشوراء ومن هذه المراسم الحسينية».(1) وهو يقول بصراحة ووضوح: «لولا نهضة سيد الشهداء(ع) لما استطعنا تحقيق النصر في ثورتنا هذه»(2) والسبب في توقف نصر الثورة المعاصرة على ثورة التاريخ الدامي هو أن ثورة الدم القاني استطاعت أن تصون الإسلام المحمدي الأصيل وتحفظه حياً ليصل إلى جيل الثورة المعاصرة غضاً طرياً كما أراده رسول الله بعقائده وقيمه وأخلاقه وكل ما فيه من تعاليم ومناهج للحياة والحرية والعزة. وبهذا الصدد يقول الإمام رضوان الله عليه «إن سيد الشهداء(ع) هو الذي صان الإسلام وحفظه حتى وصل إلينا نحن الجالسين هنا».(3)
ويقول: «لو لم تكن عاشوراء ولولا تضحيات آل الرسول لتمكن طواغيت ذلك العصر من تضييع آثار بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وجهوده الشاقة. ولولا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهلي لأمثال أبي سفيان الذين أرادوا القضاء على الوحي والكتاب».(4)
حتى صار بحق حسين العصر الذي شاء الله تعالى له أن ينتصر ويحقق أهداف كربلاء ولو بعد حين. لذا كان من الطبيعي أن يتمثل الإمام في تفاصيل جهاده اليومي وفي خطبه ومواقفه التي كان يطلقها إبان أحداث الثورة الإسلامية تفاصيل أحداث ثورة الحسين ومواقفه وكلماته ومواقف وكلمات أصحابه وأهل بيته عليه وعليهم السلام. فشعار «هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون» كان الموقف الحاسم الذي يعبر عن رفض جميع التسويات المذلة التي كان يراد من خلالها إسقاط الثورة وخنقها في شوارع طهران.
ومقالة علي الأكبر ابن الإمام الحسين(ع) التي قالها لأبيه سيد الشهداء(ع) «يا أبا إذاً لا يهم أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا» كانت المقالة التي حركت آلاف الشباب الإيرانيين الذين هم في سن علي الأكبر ليندفعوا إلى شوارع طهران طالبين إحدى الحسنيين «النصر أو الشهادة»، هؤلاء الشباب الذين كان يخاطبهم الإمام الخميني ليقول لهم إني كلما نظرت إلى تضحياتكم خجلت من نفسي.
ومقالة الحسين «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً» كانت المنطلق لثورة الإمام الخميني على الملك الظالم الّذي حوّل حياة الشعب الإيراني إلى جحيم، فقدم الإمام الموت والشهادة على الحياة في ظل هذا الملك الظالم ووضع دمه على كفه مقدماً سعادة الموت على الحياة السوداء.
وكما جده الحسين الذي قال «والله لو لم يبق ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية» كان الإمام يقول لو بقيت أنتقل من مطار إلى آخر كل حياتي لما سكتّ ولما تخليت عن مواجهة الملك الظالم.
لقد كان الإمام يؤمن بانتصار الدم على السيف وأن للدم القدرة على هزيمة كل الآلة الفولاذية لجيش الطغيان وأن تجربة كربلاء وانتصارها يمكن أن يتكررا في أي عصر. وقد استخدم الإمام هذا الشعار كثيراً في مفردات ثورته وهو القائل: «لقد انتصر الدم على السيف أترون آثاره باقية حتى اليوم حيث ظلّ النصر حليفاً لسيد الشهداء(ع»).(5)
ولقد واجه الإمام الخميني كل الأصوات التي كانت تدعوه إلى وقف الثورة بحجة كثرة إراقة الدماء وسقوط الشهداء بلا طائل، اعتماداً على هذه المقولة المقدسة التي كان يؤمن بها وهي «انتصار الدم على السيف».
أما الشعار المركزي الأقوى الذي ترجم كل مفردات الثورة الحسينية وضخها في قلب وجسد ثورة العصر فقد كان شعار «كل يوم عاشوراء كل أرض كربلاء» حيث استطاع الإمام أن يستحضر جميع قيم وتعاليم وحتى شعارات عاشوراء وكربلاء إلى ساحة الثورة الإسلامية في إيران ليجعل من إيران أرضاً كربلائية ويحول العصر الحاضر إلى عصر عاشورائي ينبض بالثورة والدم وعطر الشهادة وعطاء الإيثار والتضحية.
ولقد استطاع الإمام (قدس سره) أن ينفي عن هذا الشعار كما عن باقي شعارات الثورة الحسينية ما علق بها عبر الزمن من تشوهات في الفهم أراد مبتدعوها أن يعطلوا تلك الشعارات العظيمة ويخرجوها من دائرة التأثير في الحاضر بل يحولوها إلى دائرة التأثير السلبي والمضر، لذا كان الإمام حريصاً على توضيح معنى الشعارات الحسينية ومن ذلك قوله: «إن مقولة كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء مقولة كبرى لكنها تُفهم فهماً مغلوطاً، فبعضهم يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم لكن محتواها غير هذا. لو نظرنا إلى دور كربلاء في يوم عاشوراء لأدركنا أن على كل أرض أن تكون كذلك، أن تمارس دور كربلاء، ذاك الميدان الذي خاض فيه سيد الشهداء(ع) غمار الحرب ومعه ثلة قليلة فصمدوا وقاوموا وقتلوا ورفضوا الظلم وهزموا يزيد ودحروه. هكذا ينبغي أيضاً أن تكون بقية البلدان وينبغي لنا أن نقف في وجه الظلم في كل يوم ونعتبر أن هذه أيضاً ارض كربلاء وعلينا أن نعيد فيها دور كربلاء»(6)
لقد كان الإمام يعتقد أن الثورة الإسلامية في إيران شعاع من عاشوراء وأن حياة الشعب الإيراني واستمرار عزته رهن بإحياء مراسم وقيم وشعارات عاشوراء وأن في إحياء ذلك كله صوناً للثورة وللشعب. ولطالما افتخر بأن شهداء الثورة الإسلامية هم كشهداء كربلاء الذين كان يتمنى أن يكون واحداً منهم وكان يعتبر نفسه خادماً لهم. وبحق أقول إن شعارات كربلاء كانت الذكر والتسبيح العملي للإمام وكانت ماء حياة وانتصار ثورته الإسلامية المباركة.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيفة الثورة الإسلامية
(2) نهضة عاشوراء ص 65
(3) نهضة عاشوراء ص 60
(4) نهضة عاشوراء ص 56
(5) نهضة عاشوراء ص 64
(6) نهضة عاشوراء ص 71