*حجة الإسلام والمسلمين محمد علي خسروي
يعتبر الصيام من العبادات المهمة في الإسلام وكما بيّن القرآن الكريم فقد كان الصيام رائجاً بين الأمم والشعوب الماضية. لعل ذلك يرجع إلى الدور الرئيسي للصيام في بناء الذات وتربية النفس. ذلك لأن بناء الذات وتربية الإنسان هو الهدف المشترك لجميع أنبياء الله وبتعبير آخر وظيفة جميع الرسول والهدف الرئيسي من بعث وإنزال كتاب بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح. وللوصول إلى هذا الهدف يلزم وجود برنامج محدد ومنظم إلى جانب العنصر القلبي والتمرين المتكرر. والصيام يشتمل على جميع هذه العناصر معاً. كلزوم امتلاك نية التقرب إلى الله وتكرار هذا الأمر خلال شهر كامل. لو أن شخصاً أو مجتمعاً ما واظب على هذا البرنامج وترك مراقبة النفس خلال هذا الشهر تسير على أساس التعاليم الإلهية من خلال العقل والوحي وخرج منتصراً من هذه الساحة للرياضة الروحية والصراع الداخلي فإنه حقاً يستحق التهنئة والاحتفال والسعادة ولعل عيد الفطر السعيد لدى المسلمين يعود لهذا الأمر، كما جاء في حديث عن أمير المؤمنين علي(ع): إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه. لقد كان مؤسس الجمهورية الإسلامية الايرانية الإمام الخميني(رض) يؤكد كثيراً على قضية بناء الذات في شهر الصيام. فقد كان بالإضافة إلى تشجيع الآخرين على هذا الأمر كان السبّاق في هذا المجال لذلك فقد كان يقوم بإلغاء كافة مقابلاته العامة في شهر رمضان الكريم وحتى مقابلاته الخاصة غير التي تستدعي ضرورة ما. لقد كانت مواظبته على تلاوة القرآن الكريم والأدعية الواردة من جملة برامجه في هذا الشهر الفضيل وكان يحاول أن يختم القرآن الكريم لثلاث مرات على الأقل خلال شهر رمضان. ومن مؤلفاته القيمة جداً شرح دعاء السحر الذي تتم قراءته في وقت السحر خلال شهر رمضان المبارك. روي هذا الدعاء عن الإمام الباقر(ع). يقول الإمام الخميني(رض) في عظمة هذا الدعاء الذي يشتمل على أسماء الله الحسنى والاسم الأعظم لله: لو أنه لم يبق عن الإمام الباقر أي أثر آخر سوى هذا الدعاء لكان كافياً ولأظهر عظمة الإمام الباقر من ناحية العلم والعرفان والوصول إلى المراتب التي تصعب على الآخرين. لقد كتب الإمام الخميني(رض) شرحاً عميقاً ومفيداً حول هذا الدعاء ويقول في مقدمة ذلك الكتاب حول الدعاء: لأنها الرابطة المعنوية بين الخالق والمخلوق والحبل المتصل بين العاشقين والوسيلة للدخول في حصنه الحصين والتمسك بالعروة الوثقى والحبل المتين. إن شهر رمضان يعد أفضل فرصة لتعزيز الأسس الاعتقادية من خلال التدبر في القرآن الكريم وأفضل وقت للمناجاة ونشاط الروح وحيويتها من خلال قراءة الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، كما ويعتبر الأساس والفرصة الثمينة من أجل التمرين والممارسة للسير باتجاه المجتمع الإنساني والتعايش السلمي بين جميع المجتمعات الإنسانية في كافة أنحاء العالم. ذلك لأننا يومياً نتمنا في الدعاء بعد فريضة الصلاة بأن يُشبع الله كل جائع ويفرج عن كل مكروب ويفك كل أسير ويُغني كل فقير. من اللافت هنا هو أنه في هذه الإدعية لم يأتي ذكر شرط الإسلام والإيمان فالصائم يطلب من الله تبارك وتعالى أن يحرر جميع البشر سواء المسلمين أو غير المسلمين من الألم والجوع. والآن سنتوقف على بعض الأقسام من هذا الدعاء سائلين الله سبحانه أن يستجيب لنا: اللهم أدخل على أهل القبور السرور اللهم أغن كل فقير اللهم أشبع كل جائع اللهم اكس كل عريان اللهم اقض دين كل مدين اللهم فرج عن كل مكروب اللهم رد كل غريب اللهم فك كل أسير آمين يا رب العالمين.
*مساعد قسم الأبحاث في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني(رض)