سجن عشرت آباد
في يوم عاشوراء عام1342، وإثر خطابات شديدة اللهجة ألقاها الامام الخميني هاجم فيها النظام البهلوي والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي واسرائيل، داهمت ازلام السافاك وقوات الجيش والشرطة منزل الامام منتصف ليلة الخامس عشر من خرداد، مستغلة عتمة الليل، وقامت باعتقال الامام ونقله الى ثكنة عشرت آباد العسكرية.
تقع ثكنة عشرت آباد في مدخل معسكر الشرطة، وقد تحولت فيما بعد الى مقر لإستراحة قوات الحرس الملكي الخاصة. وإبان انتصار الثورة الاسلامية اطلق على المعسكر اسم (ولي العصر) و وضع تحت تصرف قوات حرس الثورة. وفي الوقت الحاضر يتولى الحرس الثوري الاشراف على جانب منه، فيما تشرف القوات الانتظامية على الجانب الآخر.
يقول شخص يدعى (أغا اوغلان شاهي)، الذي كان مسؤولاً عن مراقبة المكان الذي يعتقل فيه الامام: المكان الذي كان فيه الامام معتقلاً، كان يقع في جانب من هذا المعسكر. وكان السجن عبارة عن دهليز يحتوي على ثلاث زنزانات. وكان السجن محاطاً بالاسلاك الشائكة، وقد وضع الامام في احدى هذه الزنزانات بعد نقله من سجن قصر.كانت الزندانة عبارة غرفة صغيرة لاتزيد مساحتها عن 2x3متراً مربعاً. وأن افراداً من قوات الحرس الملكي ذكروا
لنا بأن سجناء سياسيين مهمين للغاية امثال الامام الخميني، كان يتم الاحتفاظ بهم في هذا السجن.
بعد انتصار الثورة الاسلامية، واثناء إلقاء نظرة الى اطراف هذا المعسكر بدأت تتضح لنا أشياء كثيرة. على سبيل المثال كان المعسكر يحتوي على مسجد ذي قبة جميلة، كانت تتم الاستفادة منه كمستودع لتخزين الحنطة.. وكانت القوات الاميركية تعيث فساداً في هذا المعسكر بنحو يتعفف اللسان عن ذكره.
القيطرية
لم يكن بوسع النظام الشاهنشاهي الاحتفاظ بسماحة الامام الخميني في سجن عشرت آباد، نظراً للضغوط الداخلية واحتجاجات الحوزات العلمية في العراق وايران، و توافد علماء الدين على طهران. لذا قرر النظام نقل الامام الى منطقة تدعى (دربند) واخضاعه للإقامة الجبرية في محاولة لإمتصاص النقمة الشعبية والحد من احتجاجات المعترضين.
بعد شهرين من احتجاز سماحة الامام في سجن عشرت آباد، تم نقله في الثاني عشر من مرداد1342 شمسي، الى منطقة داودية. وعلى خلاف ما كان يتصور النظام من أن (داودية) منطقة نائية وليس بوسع احد الاطلاع على مكان وجود الامام، نظراً لأن نقله الى هذا ا لمكان كان في يوم الجمعة وأن الصحف لاتصدر في مثل هذا اليوم. ولكن وبمجرد أن علم أهالي طهران بخبر اطلاق سراح الامام، أخذوا يتوافدون على منطقة الداودية للقاء سماحته، و أخذوا يتحددون عن جريمة الخامس عشر من خرداد وإيغال أزلام النظام في اراقة دماء الابرياء.
وفي منتصف الليل أبلغت القوات الامنية سماحة الامام بأن عليه أن يختار مكاناً آخر لإقامته. فبادر على الفور شخص يدعى السيد روغني، احد التجار المحترمين في بازار طهران، الى دعوة سماحة الامام للقدوم الى منزله في محلة قيطرية. وقد وافق الامام على ذلك. وفي هذا المنزل كان لايحق لأحد لقاء الامام سوى أشخاص معينين. وكان أزلام الشاه يراقبون تحركات الامام عن كثب ويحولون دون لقاء الجماهير بسماحته.
مضت ثمانية أشهر على احتجاز الامام في هذا المكان. وفي السابع عشر من فروردين عام 1343 شمسي تم اطلاق سراح الامام، وفي اليوم التالي توجه سماحته الى مدينة قم..
ان المنزل المذكور يقع في مقابل زقاق (طهرانجي).. وان المرحوم روغني الذي دعى الامام للإقامة في منزله، كان يعيش في المنزل ايضاً.
بيت الإمام في جماران
تبدأ طهران من سفح سلسلة جبال البرز وتمتد على الاراضي الواقعة بين الجبل والهضبة .. وتلقي التعرجات الصخرية لجبال البرز، التي تتضح معالمها اكثر في دماوند وتوجال، بظلالها على مدينة الشمس .. وبلطف اللطيف الخبير تتنفس طهران النسيم الذي يهب من أطراف سفوح الجبال.
العمارة التي تشهدها حالياً قرية جماران، الإرث المتبقي من بساتين طهران في العصر الصفوي، تجسد مدى التداخل بين الأصالة والحداثة.
لازال النسيج القديم لقرية جماران، بجدرانها الصخرية وحيطانها الطينية، يطل عبر نافذة الابراج السكنية والعمارة الحديثة، وتتعالى من بين ثنايا أزقتها الضيقة المغطاة بالأشجار، موسيقى زقزقة العصافير وهديل الطيور.
شيخنا الثوري، الذي كان يملك قلباً بطهارة البحر وروحاً بصلابة الجبل ورسوخه، إتخذ من هذه القرية مقراً له. وكان نبع كلامه الزلال يجري من سفح جبال البرز كل يوم، ليمنح الصحاري اليابسة والعطشى بركة الماء والحياة.. وقرر هذا الحكيم العجوز المحنّك الإقامة في قرية جماران استجابة لنصيحة الأطباء، والنزول في بيت يلتصق فناؤه بالجدار الخلفي لحسينية جماران.
بيت الإمام الذي تم استئجاره، عبارة عن مبنى آجري متواضع ذي باحة تقدر مساحتها بـ (40) متراً مربعاً تقريباً، تلتصق بالحائط الخلفي لحسينية جماران. وقد وضع جسر مؤقت يصل شرفة البيت المطلة على الباحة بالشرفة ـ المنصة ـ داخل الحسينية، يسلكه الإمام للذهاب الى الحسينية ..
يذكر أن سماحة الإمام استقر في هذا المنزل بتاريخ 28/2/1359 هجري شمسي.
إن الجدران الآجرية المنخفضة، والباحة المتواضعة، والشرفة الصغيرة؛ أضحت موضعاً تحوم فيه فراشات شمعة جماران. وراحت جدران حسينية جماران واعمدتها تجد طريقها الى واجهات وسائل الإعلام في القارات الخمس عبر عدسات مراسليها.
وكان قد فتح باب يوصل باحة منزل الإمام المتواضعة بالشرفة داخل الحسينية. وكانت شمس جماران تطل من الشرفة السامقة كل صباح، على الشجرة الوارفة لأيادي عشاقها ومريديها.
ترتفع شرفة الحسينية مترين تقريباً عن سطح الأرض، وتفضي ـ عبر بوابة صغيرة ـ الى باحة منزل الإمام .. وفي الشرفة ثمة سندان يستند اليهما الإمام: (كلمة الله هي العليا) والكرسي، يحفظ الأول روحه والآخر جسده.
تضم غرفة استقبال الإمام لضيوفه، كنبة متواضعة ورف جداري بسيط، وتفضي الى غرفة أخرى، وهما بمثابة مكتب الإمام والمكان الذي يلتقي فيه زائريه. وكان الكثير من المسؤولين المحليين والأجانب يلتقون هلال شهر جماران في هذا المكان.
كانت النخب السياسية والدينية في العالم تطوي ارتفاعات ازقة جماران لرؤية هلاله، وهم يلتقطون انفاسهم بصعوبة, واضعين أيديهم في يد رجل لا يرى غير يد الله تعالى هادياً له.
حافظت حسينية جماران, التي يتجاوز عمرها نحو مائة وأربعين عاماً بنوافذها وبوابتها المقوسة الشكل، على بساطة أعمدتها الفولاذية وسقفها وجدرانها بإصرار من الإمام. وقد غطى أرضيتها سجاد تم تأمينه من النذورات التي يتقدم بها الناس. وكانت نوافذ الحسينية المقوسة وبوابتها المشبكة والكبيرة نسبياً، تختفي أحياناً وسط اعصار حشود عشاق الإمام ومريديه.