شاع في أواخر شهر كانون الاول خبر عزم الإمام الخميني على العودة الى إيران. وكان كل من يسمع بالخبر تفيض عيناه بدموع الشوق. لقد عانت الجماهير اربعة عشر عاماً من الانتظار. بيد أن الجماهير والمحبين كانوا في قلق واضطراب على حياة الإمام الخميني ذلك ان الحكومة العسكرية العملية للملك مازالت في سدة الحكم. لذلك فقد أوصى اصدقاء الإمام بتأخير السفر قليلاً لتوفير الظروف المناسبة لحمايته.
من جانب آخر فإنَّ عودة الإمام الى إيران في تلك الظروف ولقائه بالجماهير المليونية الثائرة كان يعني ـ من وجهة نظر أميركا ـ النهاية الحتمية للنظام الملكي. لذا فقد اتخذت خطوات عديدة، بدءاً من التهديد بتفجير الطائرة التي تقل الإمام، وانتهاءً بالقيام بانقلاب عسكري، كل ذلك لدفع الإمام الى تأخير سفره. حتى ان الرئيس الفرنسي وقتئذ قام بدور الوساطة، لكنَّ الإمام كان قد اتخذ قراره النهائي واعلن عبر بيانات اصدرها للشعب الايراني بانه يرغب ان يكون مع شعبه في هذه الايام المصيرية الحاسمة.
اقدمت حكومة بختيار ـ بالتنسيق مع الجنرال هايزر ـ على اغلاق المطارات بوجه الرحلات الخارجية.. وقد توجهت الملايين من مختلف انحاء البلاد، لتشارك في التظاهرات التي انطلقت في طهران مطالبة بفتح المطار. كما اجتمع جمع من العلماء والشخصيات السياسية في مسجد جامعة طهران واعلنوا عن اعتصامهم هناك حتى تفتح مدارج المطار، ولم تتمكن حكومة بختيار من الصمود اكثر من عدّة ايام ثم رضخت لمطالب الجماهير.
اخيراً وفي مطلع شهر شباط عام 1979 م وصل الإمام الخميني الى إيران بعد اربعة عشر عاماً من فراق الوطن. وقد كان استقبال الجماهير لقائدها عظمياً ومنقطع النظير الى درجة لم تستطع حتى الشبكات الاعلامية الغربية من انكاره، اذ قدرت وسائل الاعلام الغربية عدد المستقبلين بين (4-6) ملايين شخص.
وما ان وصل الإمام حتى توجهت الجموع من مطار طهران الى مقبرة جنة الزهراء حيث مزار الشهداء، لتصغي لحديث قائدها التاريخي. في ذلك الحديث اعلن الإمام قائلاً: سوف اقوام بدعم من هذا الشعب، بتشكيل الحكومة.
في بداية الأمر، اعتبر بختيار بأنَّ الإمام يمزح! وما هي الإ ايام قلائل حتي اعلن الإمام الخميني في الخامس من شباط 1979 عن تعيين (مهدي بازركان) رئيساً للحكومة المؤقتة، بعد ترشيحه من قبل مجلس الثورة، وهو وجه متدين معروف، له ماض جهادي وخبرة في حركة تأميم النفط.
وفي قرار التعيين طالب الإمام الخميني المهندس بازركان بتشكيل وزارته دون الأخذ بنظر الاعتبار العلاقات الحزبية، وذلك لاعداد التمهيدات اللازمة لاجراء استفتاءٍ شعبي ثم إجراء الانتخابات، مطالباً الجماهير الايرانية التعبير عن رأيها من خلال الانتخابات المزمع اجراؤها. فبادرت الجماهير للانطلاق في مظاهرات حاشدة عمت البلاد باسرها للاعلان عن دعمها وتأييدها لقرار الإمام الخميني.
اما الاحزاب والفصائل السياسية الاخرى ـ والتي كان قادتها ومسؤولوها واعضاؤها القليلون يخرجون من سجنهم ومعتقلاتهم ببركة نهضة الجماهير وعلى عدة مراحل، وفيما كان الشعب يقف على اعتاب النصر، راحت تتطلع الي الحصول علي المكاسب والمطالبة بسهم اوفر لها في ارث الثورة. ومنذ تلك الأيام ابتدأ الاصطفاف بوجه الثورة الإسلاميّة بصفوف امتلأت بعملاء النظام البائد وازلام السافاك والشيوعيين ومجاهدي خلق (المنافقين).
هذا و بايع منتسبوالقوة الجوية، في الثامن من شباط 1979،الإمام الخميني في محل اقامته بالمدرسة العلوية في طهران،
واصبح الجيش الملكي على حافة السقوط الكامل. وقبل ذلك كان العديد من الجنود والمراتب من المؤمنين قد تركوا المعسكرات التزاماً بفتوى الإمام والتحقوا بصفوف الجماهير.
في التاسع من شباط قام منتسبوالقوة الجوية بالتمرد في اهم قاعدة لهم في طهران. وبادرت قوات الحرس الملكي للقضاء على التمرد، فهبت الجماهير لدعم القوات الثورية في القاعدة. وفي العاشر من شباط كان معظم مراكز الشرطة ومؤسسات الدولة قد سقطت الواحدة تلو الآخرى بايدي الجماهير. وفي بيان عسكري له اعلن القائد العسكري لمدينة طهران عن تمديد ساعات منع التجوال الى الساعة الرابعة بعد الظهر. وتزامناً مع ذلك عقد بختيار اجتماعاً طارئاً لمجلس امن الدولة واصدر أوامره بالقيام بالانقلاب العسكري الذي اعد له سلفاً بالتنسيق مع الجنرال هايزر. من جانب آخر اصدر الإمام الخميني بياناً دعا فيه ابناء طهران ـ وبدافع احباط المؤامرة المبيّتة ـ للنزول الى الشوارع والغاء قرار منع التجوال بشكل عملي. فاندفعت الجماهير شيباً وشباناً ونساءً واطفالاً الي الشوارع، وشرعت باعداد الخنادق. وما ان خرجت الدبابات والقوات العسكرية المكلفة بتنفيذ الانقلاب من معسكراتها، حتى سيطرت الجماهير عليها ومنعتها من مواصلة مسيرها. ففشل الانقلاب منذ ساعاته الاولى، وبذلك سقط آخر معاقل النظام الملكي. وفي صباح الحادي عشر من شباط اشرقت شمس انتصار نهضة الإمام الخميني والثورة الإسلاميّة، لتعلن نهاية عهد حاكمية الملوك الظالمين في ايران.