انتظرت اوريانا فالاجي عشرة ايام للقاء صحفي مع الامام الخميني (قدس سره) حيث لبّى طلبها. كانت ترتدي عباءة. عند اللقاء، كان تأثير الامام (قدس سره) عليها الى درجة انها خاطبته قائلة: اطمئن، فاني سأُفْشِل كل ما روّجوا له عليك.
قالت فالاجي حول هذا اللقاء: ادركت منذ اللحظة الاولى، ان الجو غير ما كنت اتصوره... لعل ذلك يعود الى تأثير المحيط البسيط لمنزل آية الله، والذي يقع في زقاق ترابي.. خلال هذا اللقاء لم ينكر آية الله الخميني، توقيف جريدة (آيندكان)، ولا الاعدامات، ولاتضييق حركة الشيوعين.. انه يختلف عن كل من اجريت لقاء معه، قبل ذلك؟
خلال اللقاء، عند الوصول الى بحث الحجاب الاسلامي والعباءة.. وحين شاهد اصراري فيما يتعلق بالبحث المذكور، اجاب: الحجاب لايمنع انشطة النساء، ولا ارغام في الموضوع!
فانتهزت فالاجي الفرصة ونزعت العباءة!.. فما كان من الامام (قدس سره) الاّ ان يترك الغرفة فوراً! . قالت: لقد ترك الامام الغرفة بسرعة فائقة، لايمكن تصورها من رجل في مثل عمره وشيخوخته!. بعد ثلاثة ايام، تنجح فالاجي بملاقاة الامام (قدس سره) مرة اخرى، حيث اشار عليها المرحوم السيد احمد الخميني، نجل الامام، بعدم التطرف الى (العباءة)، لتفادي انزعاج الامام، لكنها، وحين مشاهدتها الامام (قدس سره) بدأت بالحديث عن (العباءة). قالت فيما بعد: نظر الىَّ الامام، اول وهلة، صامتاً، ومن ثم لا حت على وجهه ابتسامة وتلتها ضحكة رائعة!. بعد ذلك قال لي السيد احمد الخميني، انه ولحد الآن، لم يستطع احد، أنْ يُضحك والدي بهذا الشكل!. ذكرت هذه الصحافية الايطالية، انّ ما ينعكس لديها عن الامام (قدس سره)، شيء يُضاهي نصب ميكل آنج. كتبت تقول: ان آية الله الخميني، اجمل شيخ رأيته في عمري من حيث القد، يختلف تماماً عن سائر زعماء الشرق الاوسط الذين لا يعدون كونهم دُمى تتلاعب هنا وهناك!. كان الامام (قدس سره) يشبه الى حد ما البابا او سلطان مقتدر وهو زعيم حقيقي يحبه الشعب الايراني الى حد كبير... الى درجة رسول او فوق ذلك.. الى درجة اِله!
قامت فالاجي بتوجيه اسئلة الى الامام، خلال لقائها به، حول رؤيته فيما يتعلق بشؤون ايران، والعالم، المختلفة. بدأت حديثها بمواساة الامام (قدس سره) بالنسبة لرحيل آية الله طالقاني. سألت الامام: ان ايران في يديك، وكل ما تتلفظ به مقبول بصورة كاملة.. فتصبح كلماتك قانوناً في هذا البلاد يتم تنفيذها. هناك من يعتقد هنا بأنه لا وجود للحرية في هذا البلد.. ما هو رأيكم؟ اجابها الامام:" إن ايران ليست تحت تصرفي، بل هي تحت تصرف الشعب. وإن الشعب يقف الى جوار من يخدمه ويرعى مصالحه وقد لاحظتم تشييع جنازة المرحوم السيد الطالقاني، فلم تكن هناك حربة تهددهم ولم يجبر أحد على المشاركة، إن الناس خرجوا الى الشوارع بارادتهم وحريتهم، وعمّ العزاء ايران بأسرها. وهذا لا يعني ان ثمة حرية خارجة عن القانون، فهذه ليست حرية. الحرية هي التي ترسخ حب الناس لبعضهم البعض، وتستند الى المبادئ الإلهية التي يؤمن بها الرجال الربانيون. (صحيفة الامام،ج10،ص 70)
سألت اوريانا فالاجي سماحة الامام (قدس سره)، انْ يوضح لها انّ هذا الشعب نهض لنيل الحرية او للسلام؟.. أجاب الامام: "إن هذا الشعب ناضل من اجل الإسلام. بيد أن الإسلام يشمل كل تلك المفاهيم التي يتصور العالم بأنه هو الذي ابدعها واطلق عليها لفظ الديمقراطية. الإسلام لديه كل هذه الافكار وان شعبنا ناضل من اجل تحقيقها. (صحيفة الامام،ج10،ص 72)
ثم سألت الامام حول ظاهره، قائلة: اني اُشاهد في ظاهرك، طمأنينة طبيعية وناعمة. لكنّ العالم صوّرك بظاهر جلد، خشن ومخيف... هل انّ ما عرضوه عنك، بهذا الشكل، لا يؤلمك؟.. انهم يطلقون عليك، ديكتاتور ايران الجديد.. ألا يُزعجك؟.. أجاب الامام: بطبيعة الحال هو مؤلم من ناحية، لأنه يوضح مدى انتهاك اعدائنا للقيم الانسانية، ونحن نأسف لوجود فئة تتصرف بهذه الفظاعة والبشاعة بحق الانسانية. إننا ووفقاً للتعاليم الإسلامية، ينبغي لنا أن نتألم للعيوب التي يعاني منها بني الإنسان. هذا من جهة، ومن جهة اخرى إنني لا أرى أهمية تذكر لمثل هذه الأمور، لأننا نسير في طريق الحق، وبطبيعة الحال يتعارض مع توجهات القوى العظمى ومصالحها، لأنها لا تفكر بغير نهب ثروات الدول الأخرى. وأنا لا أتصور ان امثال هؤلاء سيقفون مكتوفي الايدي ينظرون الينا. (صحيفة الامام،ج10،ص 74)
نقلاً عن كتاب (لقاء (حوار) مع التاريخ)- اوريانا فالاجي
القسم العربي- قسم الشؤون الدولية