آية الله الشیخ محمد حسن قديري
المرحوم آية الله سيد مصطفى الخميني (قدس سره الشريف) من روّاد هذا الطريق، بل ومن قادة الأمة الإسلامية، ومصداق لهذه الآية المباركة. لقد استقبل مفهوم «ربّنا الله» عن اخلاص وظل يُنافح عنه بصلابة حتى نهاية عمره الشريف، ولم يكن يخشَ الطاغوت، وواجه كل مصاعب الحياة بإيمان بالله وعزم راسخ. ويمكن القول بحق انه عاش سعيداً ومات سعيداً. اسأل الله أن يحشره مع أجداده الطاهرين.
ومع إنني لا أدّعي الإحاطة بكل أبعاد حياته ونشاطاته السياسية والاجتماعية والعلمية وسلوكه الأخلاقي والعملي والعرفاني، ولكن بما إنني عاشرته مدّة في النجف الأشرف وكنت معجباً به، أرى من حقّه عليَّ أن أتحدث عمّا أعرفه عنه.
أنا أرى أنّ المرحوم سيد مصطفى كان من الأركان الأساسية في النهضة الإسلامية، وكان له دور مؤثر في تلك النهضة وديمومتها، وكان استتار دوره أمراً طبيعياً بسبب أنّ دوره الفاعل كان في مرحلة الكبت أولاً، وثانياً لأن الشمس الساطعة لوالده الكريم حينذاك كانت تغني عن اشراقات الشموس الأخرى؛ وإلاّ فانَّ الخدمة التي أداها المرحوم سيد مصطفى للنهضة في عهده لم تكن أقل مما قدّمه الآخرون؛ فقد كان نصير الإمام وعضده، وكان هو المعين له في غربته، بل كان هو أنيسه الوحيد.
أتذكر جيّداً إنني كنت في مدرسة المرحوم آية الله البروجردي في النجف الأشرف، حين بلغنا في عصر أحد الأيام خبر قدوم الإمام من تركيا إلى العراق وأنّه في الكاظمية، واتصل المرحوم سيد مصطفى بدار المرحوم آية الله العظمى الخوئي هاتفياً طالباً تهيئة دار لسماحة الإمام. فتوجهنا في اليوم نفسه إلى بغداد ووصلنا ليلاً إلى الكاظمية إلى حيث الفندق الذي نزله الإمام؛ فكان سماحته في غرفة، وفي غرفة أخرى كان سيد مصطفى وحده مستيقظاً، وكانت عمامة الإمام في غرفة السيد مصطفى.
لم نستطع مقابلة الإمام في تلك الليلة. وفي صباح اليوم التالي ذهب الإمام برفقة سيد مصطفى لزيارة ضريح الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. وهناك التقى به عدد من العلماء وبقوا في رفقته.
وقد سمعت من الإمام نفسه أنه قال عن أهمية وجود سيد مصطفى إلى جانبه أثناء وجوده في تركيا: «كان وجود سيد مصطفى إلى جانبي في تركيا ضرورياً بالنسبة لي». أضف إلى أن وجوده معه في النجف أزال عنه مشاعر الغربة. وكان هو الأمين على أسراره في شؤون النهضة، وهو ثقته وموضع اعتماده. وهو وان كان لا يتدخل في الأمور ظاهرياً، لكنه في الحقيقة هو الذي يتولى إدارة الشؤون السياسية والاجتماعية للإمام.
وخلاصة القول هو انه لولا وجود سيد مصطفى إلى جانب الإمام لكثرت عليه المشاكل، وان للسيّد مصطفى حقاً على الثورة. وإذا كان سماحة الإمام قد قال إنّ مصطفى كان أملاً لمستقبل الإسلام، فانه لم يكن يُثني على مجرد رجل عالم أو عابد أو عارف، بل كان يشير بذلك إلى دوره الفاعل في الثورة.
كان سيد مصطفى عالماً ومجتهداً، وكان يبدي اهتماماً كبيراً للعبادات والزيارات، ويساعد المساكين والمعوزين، وكان ملاذاً لأصحاب الإمام الذين لم يكن لهم ملاذ يومذاك إلاّ أميرالمؤمنين(ع) ودار الإمام.
وفي مجال البحث كانت له اليد الطولى، ومع براعته في النقاش إلاّ أنه كان منصفاً في قبول الحق؛ فان رأى المقابل على صواب أذعن لرأيه.
كان استاذاً كفوءاً في مختلف العلوم. ومن جملة الذكريات العالقة في ذهني منه، هو انني رافقته عند الذهاب إلى كربلاء سيراً على الأقدام حيث كُنّا وصلنا إلى بساتين كربلاء وقضينا تلك الليلة هناك، وتحلّق حوله رفاق السفر، وتقرر أن يعرض له كل واحد منهم سؤالاً في أحد أبواب العلوم.
ولا أنسى أنهم عرضوا عليه أسئلة في شتى مجالات العلوم وكان هو يجيب عنها، واستمر ذلك المجلس حوالي أربع ساعات. وفي الحقيقة إني لازلت إلى الآن أتعجب عند استذكار ذلك الموقف، وان يكون لمثل هذا الشخص كل تلك الكفاءة في الإجابة على تلك الأسئلة كافّة بدون مطالعة.