يرى الإمام الخميني (قدس سره): أنّ أهداف الأنبياء (ع) واحدة، تبعاً لأهداف الدين الذي حملوه، وجاهدوا من أجل تقرير مفاهيمه وقيمه في واقع الكون والحياة والإنسان. ومن هذه الأهداف التي تطرّق إليها الإمام (قدس سره):
أوّلاً: نشر التوحيد.
إنّ هدف الأنبياء (ع) هو نشر التوحيد، واستئصال جذور الكفر والشرك، على مستوى الاعتقاد ومستوى العبادة، قال (قدس سره): "إنّ مقصد الأنبياء العظام أساساً والمراد من تشريع الشرائع وسنّ الأحكام ونزول الكتب السماوية... إنّما هو نشر التوحيد والمعارف الإلهية، واستئصال جذور الكفر والشرك والازدواجية في النظرة والعبادة"[1].
ثانياً: تحقيق إنسانية الإنسان.
قال الإمام الخميني (قدس سره): "القرآن الكريم الذي يتصدّر قائمة الكتب السماوية – التي جاءت في الحقيقة (كما القرآن الكريم) لبناء هذا الإنسان، وتحويله من إنسان بالقوّة إلى إنسان بالفعل وموجود بالفعل – والأنبياء: بدعوتهم بعثوا لتحقيق هذا الغرض – حسب اختلاف مراتبهم طبعاً – وهو تحويل الإنسان إلى إنسان حقيقي من (القوّة) إلى (الفعل)، فجميع العلوم الدينية والعبادات والمعارف الإلهية وجميع الأحكام العبادية ممّا هو موجود جميعها يراد بها تحقيق هذا الأمر، تحويل الإنسان الناقص إلى إنسانٍ كامل"[2].
ثالثاً: الاهتمام بجميع شؤون الإنسان.
قال الإمام الخميني (قدس سره) :"إنّ الإسلام وسائر الحكومات والدعوات الإلهية تعتني بجميع شؤون الإنسان، بدءاً من أبسطها وحتّى أعقدها، جميعها تهتمّ بذلك... فكما أنّ في الإسلام سياسة للبلاد، وكما أنّ أغلب أحكامه أحكام سياسة، فهو يضمّ – عدا ذلك – أحكاماً معنوية، يضمّ حقائق ومعنويات تعتني بالرشد المعنوي للإنسان، وبتربية الإنسان روحياً في العشرة، فالإسلام يحدّد أحكام العلاقة بين المسلمين والآخرين، للإسلام أحكام لعلاقة الإنسان مع نفسه، وأحكام لعلاقة الإنسان مع زوجته، ومع ولده وجيرانه، ومحلّته وأصحابه، ولعلاقة الإنسان مع مواطني بلده، ولعلاقته مع من يعتنقون نفس ديانته، ومن يعتنقون غير ديانته، أحكام تشمل كلّ الحياة وإلى ما بعد الموت...
فالإسلام وأحكامه التي بعث الله تعالى بها الأنبياء والرسل لا تهتمّ بهذا العالم فقط، أو بالعالم الآخر فقط"[3].
وقال (قدس سره): "بيّن لنا الأنبياء الاُمور التي تتعلّق بالروح، والتي تتعلّق بالمقامات العقلية، والتي تتعلّق بالغيب، والقرآن قد بيّن ذلك أيضاً"[4].
وقال أيضاً: "إنّ جميع الأنبياء (ع) اُرسلوا من أجل تربية الأبعاد الإنسانية، فهم الوحيدون القادرون على انجاز هذه المهمّة...؛ إذ تقع هذه المسؤولية على عاتق الأنبياء، مسؤولية إعداد الإنسان لكلتا الحياتين: الدنيا والآخرة، فلا أحد جدير بذلك غير الأنبياء والرسل (ع)، الذين يقومون بإبلاغ رسالات الله ببعدها الشمولي الذي يتضمّن الحياتين: الدنيا والآخرة"[5].
وعلى ضوء ذلك فاتباع الأنبياء – من مسيحيين ويهود وغيرهم – مكلّفون كالمسلمين بالاستقامة في الحياة الاجتماعية والسياسية، وعلى أساس هذا التكليف تقام العلاقات بينهم وبين المسلمين.
رابعاً: إصلاح المجتمع.
إنّ أهداف الأنبياء واحدة ومشتركة، ومنها: تحقيق سعادة الحياة الدنيا و الآخرة، بإصلاح الإنسان، وإصلاح المجتمع، وإيصاله إلى الكمال، وهو المقدّمة الموصلة لتلك السعادة.
قال الإمام الخميني (قدس سره): "إنّ الهدف من بعثة الأنبياء (ع) هو تحقيق السعادة للبشر، بمختلف أبعادها في الحياة الدنيوية والاُخروية، فهم كانوا يسعون لإيصال بني الإنسان إلى الكمال المناسب للنوع الإنساني"[6].
وقال ايضاً: "نحن نريد صلاح المجتمع، فنحن أتباع الأنبياء الذين جاؤوا لإصلاح المجتمع وإيصاله للسعادة...، ونحن نريد – اقتداءً بالأنبياء – جعل مجتمعنا سعيداً"[7].
خامساً: رفض الظلم.
من الأهداف المشتركة التي يسعى إليها الأنبياء (ع) هي: رفض الظلم وعدم قبوله، وبالتالي يجب على أتباعهم الاقتداء بهم، فلا يظلم مسلم مسيحياً أو يهودياً، ولا يظلم مسيحي أو يهودي مسلماً، وعلى أساس هذه المعادلة تكون العلاقة بين المسلمين وغيرهم.
قال الإمام الخميني (قدس سره): " نحن نريد – بقيادة نبيّ الإسلام – تطبيق هاتين الكلمتين: ألّا نكون ظالمين ولامظلومين... ولا نريد الاعتداء على أيّ بلد؛ طبقاً لما أمرنا به الإسلام، ولا نريد الاعتداء على أحد ولاينبغي لنا ذلك، ولكن يجب علينا الردّ على اعتداءات الآخرين... ونحن نتوقّع ذلك من جميع الشعوب والحكومات. إذا كانت الحكومات إسلامية وإذا كانوا يتّبعون الإسلام فالإسلام يمنع الظلم ويأمر بعدم الخضوع للظلم، وإذا كانت الحكومات تعتنق المسيحية فإنّ عيسى المسيح كان لا يقبل الظلم مطلقاً، وإذا كانت من أتباع موسى الكليم فإنّ موسى أيضاً لم يقبل الظلم و لم يرضخ له. هذا هو نظام الأنبياء، وهذا هو نظام الله الذي بلّغه الأنبياء للبشر، وأكّدوا فيهعلى عدم الظلم و عدم قبول الظلم"[8].
ويرى الامام الخميني (قدس سره): أنّ الأنبياء كانوا مخالفين و معارضين للسلاطين، و نهض الأنبياء ضدّ السلاطين، ففي ذلك الوقت انتفض إبراهيم الخليل – الذي هو من أنبياء السلف – بوجه السلاطين واولئك العظام الذين كانوا يعبدون الأصنام ويجورون على الناس، وموسى(ع) الذي انتفض بعصا... لقد انتفض هذا الراعي بوجه فرعون سلطان مصر الكبير، والنبيّ الاكرم ولد في مكة و كان فيها، وهو وإن لم يكن هناك سلطان فيها إلّا أنّه كان هناك رأسماليون كبار جداً... وفي ذلك الوقت كانت الثورة بوجه الرأسماليين الكبار من قريش...، ليس لمجرد أنّهم أصحاب ثروات فحسب، ولمجرى أنّ أصحاب الثروات يجورون على الضعفاء دائماً... لقد كان الأنبياء في مواجهة الرأسماليين، الأنبياء كانوا معارضين للرأسمالية"[9].
وقال أيضاً: " كلّ الأنبياء السابقين الذين يعرف تاريخهم كانوا من هذه الطبقة الثالثة من هؤلاء الفقراء، وكانوا ينتفضون لمجابهة السلاطين في زمانهم"[10].
المصدر: اُسس العلاقات وحقوق غير المسلمين في منهج الامام الخميني (قدس سره)، ص50، سعيد كاظم العذاري، الطبعة الاولى، موسسة العروج ، طهران 1430هـ.ق .
[8] توجيهات الامام الخميني الى المسلمين:222.