الفتنة ليست في المقاطعة، ولا في المقاومة، ولا حتى في الجهاد المشروع، إنما الفتنة الحقيقية في الخذلان، وفي التخلي عن واجب النصرة، وفي انقلاب الموازين. أن ترى أخاك يُذبح ويُجَوَّع وتبقى صامتاً، تلك هي الفتنة. لقد كشفت غزة أن المعركة لم تعد فقط مع الاحتلال، بل مع الضمائر التي خمدت، والعقول التي بَردت، والدين الذي تم تأطيره وفق تفسيرات مريحة للكسل والتراخي. الخاتمة: النذير العُريان يركض بيننا غزة اليوم ليست مجرَّد مأساة إنسانية أو حرب ضروس، بل هي ذلك الرجل العاري الذي يركض في السوق، يصيح: «أنقذوا أنفسكم، الخطر قادم!»، لكننا حتى اللحظة، لم نلتفت كفاية. مَنْ لا يرى في غزة نذيراً لما سيأتي، فهو في غيبوبة سياسية وأمنية وأخلاقية. إن الكيان الصهيوني، كما قال المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه «لا يريد سلاماً، بل يريد أن يُمحى الفلسطيني من الخريطة». ومَنْ لا يرى أن هذا المشروع قد يتجاوز حدود فلسطين، فهو يُعيد إنتاج أوهام «الاستقرار» التي كانت قبل 7 أكتوبر. آن أوان أن نُصغي للنذير العريان، قبل أن يتحوَّل الركض في الشارع إلى لهيب بالعواصم ولات حين ندم.
محمد الجارالله، وزير الصحة الأسبق.
-----------