في اول يوم من سنة 1989م (11/10/1367 هـ.ش)، تم تحرير رسالة الإمام الخميني(قدس سره) الشهيرة، التاريخية، الى ميخائيل غورباتشوف، أخر رئيس للأتحاد السوفياتي، فيما يتعلق بفناء الشيوعية وضرورة حذر روسيا من الأتّكاء على الغرب. لقد كُتبت هذه الرسالة في ظروف كان فيها الاتحاد السوفياتي متماسكاً كمجموعة واحدة، ولم تكن الحرب الباردة قد انتهت، وكان جدار برلين كرمز للفصل بين الشرق والغرب، قائماً، والشيوعية ترسم دستور الاتحاد السوفياتي وتسيطر على مصائر شعوب جمهوريات الاتحاد... خلال ذلك، قام الإمام الخميني(قدس سره) بتوجيه رسالته المفعمة بالعِبَر، الى غورباتشوف، ذاكراً فيها انّ سماحته يسمع صوت تهشّم عظام الماركسية! محذّراً اياه من عدم التوجه إلى الغرب لحل مشاكل الاتحاد السوفياتي الأقتصادية.
سُلّمت رسالة الإمام الخميني(قدس سره) في الثالث عشر من دي عام 1367 هـ.ش (1989 م) الى غورباتشوف في موسكو، بواسطة وفد اختاره سماحته مكوّن من: آية الله جوادي أملي، محمد جواد لاريجاني والسيدة مرضية حديدةجي، وقد اجاب غورباتشوف على الرسالة بعد ثمانية اسابيع، بصورة رسمية وتم تسليم الجواب الى الامام في طهران،حسينية جماران، بواسطة(ادوارد شواردنادزه) وزير خارجية الاتحاد السوفياتي،آنذاك. وقام وزير خارجية الاتحاد السوفياتي خلال لقائه بالامام، بتوضيح بعض النقاط التي نشير اليها باختصار فيما يلى:
اشكر سماحة الإمام لمنحي هذه الفرصة للقاء بسماحته. لقد انيطت بي مهمة تسليم الرسالة الجوابية التي بعث بها الرئيس ميخائيل غورباتشوف إلى سماحة الإمام الخميني. وسأحاول الإشارة باختصار إلى فحوى هذه الرسالة .. في البدء أود أن اقول ان موضوع تبادل الرسائل بين قادة بلدينا يعد بحد ذاته ظاهرة فريدة تتسم بها العلاقات بيننا. وانا اعتقد بأن الأوضاع الجديدة تساعد في دخول العلاقات بين البلدين مرحلة نوعية جديدة للتعاون في مختلف المجالات.
يشير السيد غورباتشوف في رسالته إلى أن رسالة سماحتكم الموجهة إلى سكرتير عام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، غنية بمفاهيم كثيرة، وقد اطلع عليها جميع اعضاء المجلس الرئاسي للاتحاد السوفيتي .. لا شك أن لدينا وجهات نظر مشتركة إزاء موضوعات رئيسية. ولكن ثمة مواضع نختلف بشأنها ولكن ليس ذات أهمية.
تضمنت رسالتكم ملاحظات عميقة فيما يتعلق بمصير البشرية. ويعتقد السيد غورباتشوف بأننا متفقون بشأن أهم الموضوعات، أي يجب أن يؤمن الناس ببعضها البعض كي تحقق البشرية خلودها. فاذا لم يتحد الناس فان خطر الفاجعة يهدد البشرية جمعاء، وان القوة الكامنة لمثل هذه الفاجعة اوجدها الإنسان نفسه.
ويذكر السيد غورباتشوف في رسالته بأننا نتبع في سياستنا الدولية مبدأ احترام حرية الاختيار لكل إنسان وكل شعب. وبالتالي فان بلدنا وجميع أبناء شعبنا رحبوا بثورتكم الكبيرة خير ترحيب.
يشير السيد غورباتشوف في رسالته إلى أن تحولات عظيمة شهدها العالم مؤخراً، ونرى أنه بإمكاننا القول بأننا نقف على اعتاب نظام اقتصادي وسياسي جديد.
وأخيراً قال المبعوث الخاص للرئيس السوفيتي: كان هذا أبرز النقاط التي تناولتها رسالة السيد غورباتشوف. وقد حملني خالص تحياته وتمنياته لسماحتكم بطول العمر وللشعب الايراني بالسعادة و.]
فردّ الإمام الخميني قائلًا: سلّمه الله تعالى بمشيئته، ولكن ارجو أن تقولوا لفخامته بأني أردت أن اضع أمامكم آفاقاً أوسع ..
اعرب حضرة الإمام (قدس سره) في النهاية قائلاً: كنت أرغب أن افتح نافذة أمام السيد غورباتشوف تطل على عالم كبير، أي عالم ما بعد الموت وهو عالم خالد. المحور الأصلي في رسالتي هو هذا. آمل أن يسعى فخامته ثانية في هذا المجال.
[وفي نهاية اللقاء رحب سماحة الإمام بخروج القوات السوفيتية من أفغانستان وأكد على حسن الجوار وتطوير العلاقات في مختلف المجالات لا سيما في مواجهة تحركات الغرب المغرضة وخروج القوات الأجنبية من الخليج الفارسي، واعرب عن أمله في أن يحيا الشعبين الإيراني والسوفيتي بسلام ووئام دائمين]. (صحيفة الإمام الخميني، ج21، ص: 270-273)
قال غورباتشوف بعد ذلك، فيما يتعلق بهذا الشأن:
« لوكنا نتوجه الى ماكان يراه الإمام الخميني(بالنسبة لمستقبل الاتحاد السوفياتي)، ونأخذ تحذيراته بعين الاعتبار، لَما اصابنا هذا المصير المشؤوم! »
جاءت هذه الاعترافات، بعد مرور عشر سنوات على ارسال رسالة حضرة الإمام الخميني(قدس سره) التاريخية الى زعيم الاتحاد السوفياتي!.