يرى الامام الخميني (قدس سره)، ان عالم الطبيعة مخلوق وبارقة الهية، وان الركون اليه (خلافا للقواعد الربانية)، احد اسباب انحطاط الانسان ... ذلك، ان الانسان اذا ما نظر الى الدنيا، باعتبارها مسار عبور واقامة (مؤقتة) في طريق الاخرة، منتفعا بامكانياتها لاهداف معينة ك: التقرب الى الله تعالى وخدمة عباده، فلا ضير فيما يقوم به ... انما المشكلة تكمن، بانخراط الانسان في الظواهر الدنيوية وزينتها، وتبعيته لها بشكل تام، مما يبعث على غفلته وانخداعه، وابتعاده عن مسير التكامل المعنوي والروحي، وذلك جرس خطر لذوي الفكر والبصيرة.
نلفت انتباهكم، هنا، الى قسم من كلمات الامام الراحل (قدس سره)، حول الموضوع اعلاه:
عالم المُلك هذا الذي نعيشه هو عالم الطبيعة وهو أحد مخلوقات الله وعالم الطبيعة هذا تجلٍ من تجليات الله. التعلق بعالم الطبيعة هذا والتعلق بالدنيا يؤدي إلى انحطاط الإنسان. من الممكن أن يتعلق إنسان بمسبحة تعلقاً لا يتعلقه آخر بمملكة. فالأول أكثر التصاقاً بالدنيا من الثاني. كان سليمان بن داوود سلطاناً يحكم كل شيء ولكن سلطنته لم تكن مسيطرة على قلب السلطان، على قلب سليمان بن داوود. الرسول الأكرم أيضاً كان رئيساً لأمة وحاكماً لأمة ولكن هذه الرئاسة لم تكن لتأسره. كانت السلطة تحت سيطرته ولم يكن هو تحت سيطرتها. إذا وجد الإنسان مجالًا للسيطرة على النفس وعلى كل شيء فلا يكون من أهل الدنيا حتى ولو ملك الدنيا كلها مثل سليمان النبي وأمثاله. وإذا لم تتوفر هذه السيطرة وكان الإنسان غارقاً في الغفلة التي نحن فيها فإن هذا الإنسان من أهل الدنيا الدنية. الدنيا والآخرة، الله والدنيا، هذان شيئان بحيث أننا عندما نتعلق بالدنيا فإن عالم الملك يصبح دنيا وهذه الدنيا دنياي. عندما أكون متعلقا بها وتحت سيطرتها وتحت رئاستها وعندما أكون تحت سيطرة الرئاسة وتحت سيطرة المنصب، كل هذه الامور هي دنيا وأنا الأسير. وكلما زادت السيطرة أكثر فإن الأسر يزداد أكثر وأكون أسيرا دون أن أكون منتبهاً. وإذا وفق الإنسان للعمل بما أراده الأنبياء وهو الخروج من تحت سيطرة ونفوذ النفس- أعدى عدوٍ للإنسان- وإذا وفق الإنسان لتحرير نفسه من رق الأسر وأغلاله يصبح هذا الإنسان إنساناً مسيطراً على كل شيء ولا شيء يسيطر عليه حتى السيطرة التي له على كل شيء فإنه لا يهتم بها، ولا يراها شيئاً وكما يريد لأصحابه الخير والصلاح فإنه يريد لأعدائه الخير والصلاح. الأنبياء كانوا بهذا الشكل. الأنبياء كانوا يتألمون من أجل الكفار والمنافقين لكونهم كفاراً ومنافقين. الأنبياء بذلوا كل جهودهم من أجل تحرير الكفار والمنافقين والمنحرفين والناس الراسخين في أغلال أنفسهم وفي أغلال التعلق بالدنيا- وجميع المفاسد ناجمة عن ذلك- كان الأنبياء يريدون تحريرهم وكانت هذه المهمة صعبة جداً. وهذه المهمة لم تتمكن من ان تشمل الجميع وتصير عامة ولن تكون بعد ذلك ايضا. ولن يصبح الإنسان إنساناً حتى النهاية. هناك مثل معروف يقول كم من السهل أن تصبح عالماً ولكن كم من الصعب أن تصبح إنساناً. شيخنا (رحمه الله) كان يقول: من الصعب أن تصبح عالماً ومن المحال أن تصبح إنساناً.
(صحيفة الإمام، ج14، ص15-16)