بقلم د. محمود عكام
هو كالرجال العظام، في الحياة تجربة حرة غنية، وبعد الممات يتحولون إلى قيمة نبيلة أو بالأحرى إلى مجمع قيم تستنفر الوارّث ليجعلوها مؤسسة أو بعضاً من مجمع مؤصل مقّعد متمأسس.
و ما كان هؤلاء الرجال العظام ليكونوا كذلك لولا أمران اثنان:
أولهما: إيمان مطلق بالمطلق " إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا " ، " فاقض ما أنت إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا و ما أكرهتنا عليه من السحر و الله خير و أبقى "
و ثاني الأمرين: فهم معمّق _ و إن شئت سمِّه فقهاً _ منفتح على النص الإلهي و دلالته التي لا تنتهي ليروي عطاش الناس التوّاقين إلى تلبية تطلعاتهم في ميدان التصور أخباراً صاقة تزيدهم رفاناً بما كان و بما سيكون وفي ميدان السلوك أحكاماً مناسبة تثبت إنسانيتهم أنّى كانت وجهة ذياك السلوك.
و إذ نذكر الخميني فرداً بعينه منبِّهين هؤلاء لخصوصية الذكرى نؤكد على إيمانه المطلق بالمطلق، و ما أخالني و لا أنتم بعاجزين عن البرهان على ذلك الكلام صدر عنه، وفعل انبثق منه فهو من قال في " النوفل لو شاتو " عندما سئل : هل سيزول الشاه؟ " سيزول الشاه و سيعلو الحق و إن غداً لناظره قريب " .
و نتابع التأكيد لنأتي ببعض من قبسات فهمه للنص العلوي و إيمانه بصلاحيته الجادة للإنسان حين يصدق الإنسان هذا الطلب في التحقق بإنسانيته فقد قال 1979 : " إن الإسلام كفيل بجعل الإنسان دائماً في أمان، ما دام هذا الإنسان يرتوي من نبعه الصافي و يأخذ عن رجالاته الأوفياء ".
و من أجل أن تكون ذكراه لنا نافعة: نتنادى إلى الأيمان و الفهم مطالبين أنفسنا نحن من نحب و نقدّر الإمام : ألا نحيدَ عن التمسك بحبل الله المتين و إيماناً و تسليماً، و أن نعقد العزم على الالتزام بالعلم الموثَّق و المحقَّق و من ثم نجدّ السعي لتحويل التركة إلى نواة لما ستريد عليها من بضاعة من جنسها أعني الإيمان و العلم.
ليكن همّنا _ نحن الورثة _ مع التركة تثميراً خيراً دون الإقتصار على مدح التركة.
ليكن همُنا تنفيذاً واعياً لوصية الموِّرث حين دعا من بعده إلى التماسك و الوحدة و اللقاء، و التنفيذ الواعي يعني تجديد مفهومات، و إقامة مؤسسات.
ليكن همُنا تكوين حلقةٍ تالية مناسبة للحلقات التي شكلها الخميني و من قبله من رجالات ديننا و إسلامنا العظام.
فالأمة المحترمة و المنشودة هي التي يسعى أجيالها إلى إضافة صفحة في مجلد الحياة الجاد الخّير، و الأمة الضائعة هي التي تقصر كرّاس مجدها على صفحات مشيدة في تاريخها و تحرمُ حاضرها من اللحاق و الانضمام إلى هذا القرطاس الأغر، و بالتالي فهي عن مستقبلها في سبات عميق " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعلمون ".
يا ناس : دعونا من اللعن و الشتم و السب، فكل ذلك تضييع و تيه و قولوا للناس في البداية و النهاية حسناً، و ارحموا من في الأرض حتى أعداءكم، فالمنافسة في كل آن على الخير يقدَّم و ليس على الشر يشتم، المنافسة على إعادة من شرد، لا على تشريد من دخل.
و الحضارة لا تقوم على شتم الحضارات و إنما تنهض الحضارة على تحمل شتم و سب أشباه الحضارات.
فهل أنتم و نحن متحضرون؟!!