معارضة الامام الخميني لمشروع الكابيتولاسيون الأمريكي

معارضة الامام الخميني لمشروع الكابيتولاسيون الأمريكي

ابتليت الدول الإسلامية بالاستعمار البريطاني وعملائه، واليوم بالهيمنة الأمريكية وعملائها. أمريكا هي التي تساند إسرائيل وتدعم حلفاءها، وتبذل لإسرائيل كي تقوم بتشريد العرب المسلمين.

التاريخ: 4 آبان 1343 هـ.ش/ 20 جمادى الثانية 1384 هـ.ق‏
المكان: مدينة قم‏
الموضوع: معارضة مشروع قانون الحصانة للرعايا الأجانب، ودعوة أبناء الشعب والعلماء للانتفاضة
المخاطب: العلماء وطلبة العلوم الدينية وكافة أبناء الشعب الإيراني المسلم‏
المصدر: صحيفة الإمام، ج‏1، ص: 364

بسم الله الرحمن الرحيم‏
(لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)[1]
هل يعلم الشعب الإيراني بما يجري في المجلس هذه الأيام؟ هل يعلم أية جريمة اقترفت في الخفاء دون علمه؟ أيعلم أن المجلس، وباقتراح من الحكومة، قد وقع على وثيقة عبودية الشعب الإيراني، وأقر بكون إيران مستعمرة؟ سلم أمريكا وثيقة بوحشية الشعب المسلم، وخط بالحبر الأسود على جميع أمجادنا الإسلامية والوطنية، وخط بالقلم الأحمر على كل ادعاءات وتبجحات زعماء القوم طوال السنوات العديدة الماضية. جعل إيران أحقر من أكثر الدول تخلفاً، وأهان الجيش الإيراني الأبي والأمراء وضباط الصف، وداس على مصداقية المحاكم الإيرانية .. أقر، وباقتراح من الحكومة الفعلية قراراً للحكومة السابقة يعد أشد القرارات خزياً، وفي ظرف ساعات محدودة من المباحثات السرية، ومن غير علم الشعب .. جعل الشعب الإيراني في أسر الأمريكان، فالمستشارون العسكريون وغير العسكريين الأمريكان، وجميع أسرهم ومستخدميهم، أحرار في ارتكاب أية جريمة وأية خيانة، ولا يحق للشرطة الإيرانية ملاحقتهم والقبض عليهم. كما لا يحق للمحاكم الإيرانية محاكمتهم، لماذا؟ لأن أمريكا دولة الدولار، وحكومة إيران بحاجة إلى الدولار!!
واستناداً لهذا القرار المخزي، إذا تطاول مستشار أمريكي أو خادم لمستشار أمريكي على أحد مراجع التقليد في إيران، أو على أحد أفراد الشعب المحترمين، أو على أحد كبار المسؤولين الإيرانيين، أو ارتكب خيانة، فليس للشرطة اعتقاله وليس للمحاكم الإيرانية حق محاكمته. أما إذا تم التعرّض لكلب من كلابهم وجب على الشرطة التدخل، وعلى المحاكم متابعة القضية!
ففي الوقت الذي بدأت الدول الرازحة تحت وطأة الاستعمار تتحرر بكل شهامة وشجاعة من نير الاستعمار الواحدة بعد الأخرى وتحطّم قيود الأسر، يقر المجلس التقدمي في إيران، الذي يتبجح بحضارة ألفين وخمس مئة عام، ويزعم كون إيران في مصاف الدول الراقية، يقر أشد القرارات الخاطئة خزياً وإهانة حين تتخذها حكومة عديمة المصداقية، ويعرف الشعب الإيراني النبيل للعالم كأحقر وأشد الشعوب تخلفاً، وتدافع الحكومة بفخر واعتزاز عن القرار الخاطئ، ويقوم المجلس بإقراره.
لقد علمت من بعض المصادر المطلعة بأن مشروع القرار المخزي هذا، عرض على حكومات باكستان واندونيسيا وتركيا وألمانيا الغربية، فلم تقبل إحداها هذا الإذلال والرضوخ للأسر.
والحكومة الإيرانية وحدها تتلاعب بكرامة الشعب وإسلامه وتعرضه للفناء. إن علماء الدين ورجاله حينما يطالبون بعدم تدخل قوة الحراب في مقررات البلد، وأن يكون النواب نابعين من الشعب، وان تكون الحكومات وطنية، ويدعون إلى رفع الرقابة عن الصحافة، ووقف تدخل أجهزة الأمن في شؤونها، وعدم سلب الشعب المسلم حريته، كل ذلك من أجل أن لا تفرض أمثال هذه المخازي على الشعب، وان لا يدفعوا بنا إلى هذه المصائب.
أما لماذا لم ينبس البرلمان بشفة رغم أنهم- وفقاً للقاعدة الإنسانية والوطنية - مخالفون مئة بالمئة لوثيقة العبودية هذه، وقد صمتوا جميعاً باستثناء شخصين أو ثلاثة حيث بدا الاضطراب عليهم واضحاً في أثناء الحديث، فهو بسبب عدم اعتمادهم على الشعب، وأنهم أجراء، ولا يقوون على الاعتراض، لأنهم سيطردون بإشارة واحدة، ويزج بهم في السجن.
هل يعلم الشعب الإيراني أن ضباط الجيش بدلًا من أن يقسموا بالقرآن المجيد، يرددون عبارة (أقسم بالكتاب السماوي الذي أؤمن به)؟ هذا هو الخطر الذي نوّهت إليه كراراً: الخطر على القرآن المجيد وعلى الإسلام العزيز. الخطر على بلاد الإسلام، والخطر على استقلال البلد.
لا أدري أي سوء رآه النظام الغاشم في القرآن الكريم، وما الضرر الذي لحق به من اللجوء إلى الإسلام والقرآن، كي يصر إلى هذا الحد على محو اسمه؟ فلو لجأتم إلى القرآن والإسلام، لن يجرؤ الأجنبي على طلب وثيقة العبودية منكم. لن يجرؤ على سحق أمجادكم الوطنية والإسلامية إن تخلي الشعب عن السلطة الحاكمة، وافتقار السلطة للدعم الشعبي هو الذي يقود إلى هذه المصائب.
وأني أعلن هنا أن قرار المجلسين الشائن مخالف للإسلام والقرآن وغير قانوني. ومخالف لرأي الشعب المسلم، وان نواب المجلسين ليسوا نواباً للشعب، بل نواب الحراب، وان قرارهم يفتقر للقيمة القانونية إزاء الشعب والإسلام والقرآن. وإذا أراد الأجانب استغلال هذا القرار القذر استغلالًا سيئاً، فسوف يقول الشعب كلمته.
فليعلم العالم أن كل مصائب الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية هي من الأجانب، ومن أمريكا، والشعوب الإسلامية مشمئزة من الأجانب عامّة، ومن أمريكا خاصة، فتعاسة الدول الإسلامية وليدة تدخل الأجانب في مقدراتهم. فالأجانب هم الذين نهبوا وينهبون مواردنا وثرواتنا فالانجليز على مدى سنوات متمادية نهبوا وينهبون ذهبنا الأسود بسعر بخس .. الأجانب هم الذين احتلوا بلدنا العزيز دون وجه حق، هجموا عليه من ثلاثة محاور وقتلوا جنودنا.
فبالأمس ابتليت الدول الإسلامية بالاستعمار البريطاني وعملائه، واليوم بالهيمنة الأمريكية وعملائها. أمريكا هي التي تساند إسرائيل وتدعم حلفاءها، وتبذل لإسرائيل كي تقوم بتشريد العرب المسلمين .. أميركا هي التي تفرض النواب، بصورة مباشرة وغير مباشرة، على الشعب الإيراني .. أميركا هي التي تعتبر الإسلام والقرآن المجيد مضرّين بمصالحها، وهي التي تمارس الضغوط على المجلس والحكومة لإقرار وتنفيذ مثل هذا القرار المخزي الذي يصادر جميع أمجادنا الإسلامية والوطنية .. أمريكا هي التي تتعامل مع الأمة الإسلامية معاملة وحشية، بل وأكثر من وحشية.
على الشعب الإيراني أن يحطم هذه القيود. وعلى الجيش الإيراني ألا يسمح بمثل هذه الأعمال المخزية في إيران. ولابد لهم من مطالبة أصحاب المناصب العليا - بأية وسيلة ممكنة - بإتلاف هذه‏ الوثيقة الاستعمارية وإسقاط هذه الحكومة وطرد النواب الذين صوتوا لصالح هذه اللائحة المفضوحة، من المجلس.
وعلى الشعب مطالبة علمائه بعدم الصمت عن هذا الأمر، وعلى علماء الدين الأعلام مطالبة مراجع الإسلام بعدم تجاهل هذه القضية، وعلى أفاضل وأساتذة الحوزات العلمية مطالبة علماء الدين الأعلام بتحطيم حاجز الصمت .. وعلى طلبة العلوم الدينية مطالبة الأساتذة بألا يغفلوا عن هذا الأمر. وعلى الشعب المسلم مطالبة الوعاظ والخطباء باطلاعه على أبعاد هذه المصيبة الكبرى التي لم يطلع عليها .. وعلى الوعاظ والخطباء الاعتراض، ببيان رصين وشجاع، على هذا الأمر المخزي وتوعية الشعب. وعلى أساتذة الجامعات أن يطلعوا الشباب على ما يجري وراء الأبواب المغلقة، وعلى الشباب الجامعي معارضة هذا المشروع المفضوح بحماسة وهدوء، وبشعارات منتقاة، ويلفتوا أنظار شعوب العالم إلى معارضتهم. وعلى طلبة جامعات الدول الأجنبية ألا يلتزموا الصمت عن هذا الأمر الحيوي الذي عرض سمعة الدين والشعب للخطر .. وعلى قادة الدول الإسلامية أن يوصلوا نداءاتنا إلى أسماع العالم، وأن يسمحوا بتعريف العالم أنين هذا الشعب البائس بأجهزة البث الإعلامي الحر.
وعلى علماء وخطباء الشعوب الإسلامية، العمل على إزالة هذا العار عن جبين إخوتهم في الإسلام، أبناء الشعب الإيراني المعظم، بسيل اعتراضاتهم. وعلى جميع فئات الشعب، الكف عن الصراعات الجانبية الموسمية، والسعي صوب الأهداف المقدسة في الاستقلال والتحرر من قيود الأسر. وعلى السياسيين الشرفاء أن يُطلعونا على ما يجري وراء الكواليس داخل المجلس، وعلى الأحزاب السياسية أن تتفق فيما بينها في هذه القضية المشتركة.
إن هدف المراجع العظام وعلماء الدين، واحد أينما كانوا، وهو الذود عن الدين الإسلامي المقدس والقرآن المجيد، ومساندة المسلمين. فلا اختلاف بين علماء الدين الإعلام وحفظة الإسلام في هذا الهدف المقدس. ولو افترض خلاف اجتهادي في وجهات النظر فيما يتعلق بأمر هامشي وبسيط، فليس أكثر من سائر الخلافات في الأمور الفرعية، ولا يمنع من وحدة الرأي في الأمور الأصولية. وإذا كانت المؤسسات الحكومية تتصور أنها تستطيع، ببثّ سمومها، أن تصرف أنظارنا عن الهدف المقدس، وتحقيق غاياتها المشؤومة باستغلال الجهلة المتعصبين، فإنها مخطئة.
وأنا كأحد خدمة علماء الدين الأعلام والشعب المسلم، على استعداد- في اوقات الخطر ومن اجل المصلحة الإسلامية العليا - أن استجيب بكل تواضع لأبسط الأفراد، فكيف العلماء الأعلام والمراجع العظام - كثر الله أمثالهم.
ومن الضروري أن يضبط الشبان المتعصبون والطلبة الحديثوا العهد، ألسنتهم وأقلامهم، ويمتنعوا عن طرح ما يثير الفرقة والتشتت من اجل الإسلام وأهداف القرآن المقدسة. ذلك أن العلماء الأعلام بصدد إصلاح الوضع العام لإنهاء التخبط والفوضى، إذا أتاحت الحكومات لنا مجالاً للتفكير، وأمهلتنا المتاعب التي توجدها الزمرة الحاكمة، وسنحت الفرصة للإصلاح الداخلي. فمثل هذه المتاعب تعيقنا عن جهودنا في تهذيب الحوزات وإصلاح المسائل. فمع شعورنا بالخطر المحدق بالإسلام والقرآن الكريم، لم يعد لدى الشعب والقوى الوطنية مجال للتفكير في الشؤون الأخرى. وهذه الموضوعات مهمّة حتى تنسينا مشاغلنا الخاصة.
هل يعلم الشعب المسلم أن في الوقت الحاضر عدة من العلماء والدعاة وطلبة العلوم الدينية والكثير من المسلمين الأبرياء يقبعون في السجون، وقد سُجنوا مدداً طويلة دون تحقيق معهم خلافاً للقوانين. ألا يوجد من يضع خاتمة لهذه الفوضى الرجعية الشبيهة بالقرون الوسطى؟ لقد تم ذلك إثر مجزرة الخامس عشر من خرداد التي لن تلتئم جراحاتها في قلب الشعب الطاهر أبداً.
إن الزمرة الحاكمة بدلاً من أن تجد حلاً للاقتصاد الإيراني وتحول دون إفلاس التجار المحترمين، وتفكر بمأكل ومشرب الفقراء والمساكين وشتاء المشردين القارص، وتعمل على تهيئة فرص العلم للخريجين من الشباب وسائر الفئات المعدمة، بدلًا من كل ذلك تقوم بأعمال تخريبية كالتي ذكرت وما شابهها كتوظيف النساء في المدارس الثانوية للبنين، والرجال في المدارس الثانوية للبنات، ومفسدة مثل هذا الأمر واضحة للجميع، والإصرار على توظيف النساء في الدوائر الحكومية وفساد وعبث ذلك واضح للجميع.
فالاقتصاد الإيراني اليوم في قبضة أمريكا وإسرائيل. والسوق الإيرانية خرجت من يد الإيراني المسلم، وقد بدأت ملامح الفقر والإفلاس على وجوه التجار والمزارعين، وأدت إصلاحات السادة إلى إيجاد سوق سوداء لأمريكا وإسرائيل، ولا من أحد يغيث الشعب الفقير.
إني أتألّم من التفكير بشتاء هذا العام، وأتوقع حدوث مجاعة - لا سمح الله - وهلاك الكثير من الفقراء والمعوزين. فمن الضروري أن يفكر الشعب نفسه بالفقراء، ومن الضروري أن يتم الإعداد لشتائهم من الآن حتى لا تتكرر فجائع العام الماضي، ومن الواجب على العلماء الأعلام في البلد أن يدعوا الناس إلى هذا الأمر الضروري.
اسأل الله تعالى عظمة الإسلام والمسلمين، وخلاص الدول الإسلامية من شر الأجانب خذلهم الله تعالى والسلام على من اتبع الهدى.
روح الله الموسوي الخميني‏
ـــــــــــــــــــــــ
[1]  سورة النساء، الآية 141.

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء