إن مصلطح إسرائيل والولايات المتحدة تغرقان ليس مصطلحاً مجازياً أو بقدر ما هو مصطلح يعبر عن الواقع. فعلى الرغم من مرور أكثر من 100 يوم على العدوان إلاّ أن المقاومة في غزة تنتصر والقوات الإسرائيلية تنسحب والخلافات في مجلس الحرب الإسرائيلي تزداد. في الحقيقة لقد فرضت المقاومة في غزة كل قواعدها على هذه الحرب وهذا ما دفع قادة الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من بعض المناطق المحتلة بغزة وذلك بفعل نيران المقاومة، بينما يرفض القادة الإسرائيليون المتطرفون المقربون من نتنياهو هذا الانسحاب لإنهم يرون فيه الهزيمة الكاملة والنهاية الحتمية لنتنياهو ومقدمة لنهاية حزب الليكود وسيطرته على البرلمان بسبب الفشل الذريع خلال السابع من أكتوبر وما بعدها من خسارة للحرب في غزة.
وتواجه إسرائيل أزمة داخلية معقدة وذلك لإن جبهات المقاومة دمرّت فكرة “إسرائيل الملاذ الآمن” كما تم نسف مشروع إسرائيل الكبرى من النهر إلى النهر وهذا ما جعل فكرة طرد الفلسطينين وتوسيع الاستيطان في أراضيهم والأراضي العربية المجاورة فكرة مستحيلة.
عند البدء بعملية طوفان الأقصى تم الهجوم على مستوطنات غلاف غزة مما اضطر إسرائيل لنقل المستوطنين إلى وسط الأراضي المحتلة في تل أبيب والمدن الأخرى وبعد فتح جبهة الجنوب من قبل حزب الله اضطرت إسرائيل مرة أخرى إلى إجلاء المستوطنين من شمال الأراضي المحتلة إلى الوسط. وعلى الرغم من أن القادة الإسرائيليين أكدوا جميعهم على نيتهم يتهجير سكان قطاع غزة وتسويتها بالأرض واحتلالها بشكل كامل وبناء مستوطنات جديدة في قطاع غزة إلا أن المعارك تشير إلى أنّ حماس والقسام منتشرة في جميع القطاع وهي لا تزال مسيطرة على المشهد ولا تزال تطلق الصواريخ من شمال قطاع غزة التي ادّعت إسرائيل أكثر من مرة أنها تسيطر عليها بشكل كامل، وهذا ما يعرّض مستوطنو الوسط كذلك إلى الخطر والرغبة بالهجرة خارج إسرائيل وإلى الأبد وذلك لإدارك هؤلاء المهاجرين الإسرائيليين، الذين استوطنوا في أرض ليست لهم، بأنه لا مكان آمن في إسرائيل وبأن المصير الحتمي هو عودة أصحاب الأرض الأصليين إلى أرضهم.
لا يقتصر الفشل الإسرائيلي وانعدام الأمن على حدود الأراضي المحتلة بل يتعداها إلى خارج الحدود فها هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تضرب عناصر الموساد وتُفشل مخطاطاتهم كاملة في سوريا وأربيل في العراق. لقد أثبتت عملية الحرس الثوري الإيراني “وإنا من المجرمون لمنتقمون” بأنّه لا مكان آمن للموساد الإسرائيلي ومخططاته الإرهابية التي يرسمها للمنطقة. بشكل واضح ولا يدعو إلى اللبس استهدفت إيران مركزاً للموساد في أربيل وذلك لإنه يعتبر مسؤول عن تصدير النفط إلى إسرائيل وهو غطاء الموساد الصهيوني ومسؤول عن حمايتهم ودعمهم وتنفيذ مخطاطاتهم الإرهابية التي كان أخرها تفجيرات مدينة كرمان الإيرانية.
واحتراماً للعلاقات الودية والتاريخية بين العراق وإيران فقد قدمت إيران معلومات مخابراتية كاملة عن أنشطة جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد في إقليم كردستان العراق. وتأتي هذه الخطوة في سياق تسليط الضوء على ضرورة منع توسع الإرهاب الإسرائيلي إلى بلدان المنطقة وضرورة التعاون المشترك في مكافحة هذا الأخطبوط المسمى الموساد.
وتطبيقاً لمبدأ وحدة ساحة المقاومة وضرورة تفعيلها جميعاً لوقف الإعتداءات على قطاع غزة وتطبيقاً لمبدأ “الحصار مقابل الحصار” فقد فرض الحوثيون في اليمن سيطرتهم الكاملة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب ومنعوا عشرات السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل من عبور البحر الأحمر وذلك تسبب بإغلاق الميناء الإسرائيلي الحيوي “ميناء إيلات” وكذلك فقد أبلغت العشرات من الشركات الملاحية الجانب الإسرائيلي بالتوقف عن الإبحار إلى موانئها.
وفي تغير دراماتيكي وتاريخي فالسفن التجارية اليوم ترفض مرافقة البحرية الأمريكية لها وذلك لإن ذلك يعرضها للتوقيف من قبل الجيش اليمني كما أن أغلب السفن التجارية التي ترغب بالعبور تصرّح للبحرية اليمنية بشكل لا يدع مجال للشك بأن هذه السفن ليس لديها أي صلة بإسرائيل.
هذا الحصار الخانق دفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى شن ضربات جوية ضد مواقع للجيش اليمني هذه الضربات جاءت بنتيجة عسكرية عكسية لإن أنصار الله الحوثيون اليوم مصرون أكثر من أي وقت مضى على ربط وقف استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل بوقف الحصار والإبادة الجماعية ضد شعب قطاع غزة كما أن احتوائهم لهذه الضربات فرض معادلة ردع يمنية جديدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وهذا بالضبط ما دفع الولايات المتحدة إلى إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب.
ما لا يدركه الأمريكيون هو أن العقوبات والتصنيفات الكاذبة لم تؤثر بالحوثيين أبداً كما أن تصنيف الجيش اليمني كمنظمة إرهابية بسبب دعمه لغزة يعني تصنيف الشعب اليمني في الشمال والجنوب كإرهابيين لإنهم موحدون ومتفقون على دعم موقف أنصار الله في الانتصار لأهل غزة.
ختاماً، يبدو بأنّ فصائل المقاومة التي تختلف في الطريقة والأدوات متفقة على الهدف الأصلي وهو إنهاء الحرب على قطاع غزة وقطع الشريان الاقتصادي الإسرائيلي والتعجيل بإنهاء الاحتلال بشكل كامل وإخراجه من الجغرافية السياسية لمنطقة الشرق الأوسط.
د. محمد علي صنوبري، مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية. راي اليوم. القسم العربي ، الشؤون الدولية .