الامام الخمینی (قدس سره) والمرجعیة الدينية

الامام الخمینی (قدس سره) والمرجعیة الدينية

ركزت اغلب الدراسات التي تناولت شخصية الامام الخميني (قدس سره) والانجازات التي تحققت على يدي، على مجاور غاية في الاهمية حينما ترتبط بالانجاز السياسي، على مستوى الامة الاسلامية حينما نجح في اقامة الدولة الاسلامية في وقت وصل فيه انكسار الامة الى الحد الذي يجعل تصور قيام الدولة حلما  من احلام اليقظة.
وبذلك فقد حقق بناء على ذلك انجازا رائعا آخر، وهو اعادة الثقة الى ابناء الامة بدينهم وطاقاتهم، وفي الوقت الذي سعت فيه قوى الشرق والغرب الى تمييع ارادة الامة وسلب الثقة منها بمبادئها وعقائدها الفذة.
الا ان الحديث عن تلك الانجازات وان لم تستكمل بعد فانها قد اخذت نصيبا لابأس به من التحليل والتناول، غير ان الذي بقي دون إن يوخذ او يدرس دراسة كافية في جوانب حركته (قدس سره) هو قضية موقعه في حركة المرجعية الدينية عند الشيعة.
هذه المرجعية التي يمتد تاريخها الى عشرات القرون، والتي تحتل في نفوس الناس اعمق مشاعر الاحترام والتقديس، ماذا يمثل الامام الخميني(قدس سره) بالنسبة لها؟
ان الدراسة المقارنة لما استطاع ان يحققه الامام في حركة  هذه المرجعية مع المرجعيات التي سبقته ستضعنا دون شك امام مهمة صعبة للغاية، ذلك إن هدف مثل هذه المقالة ليس ذلك بالتاكيد بقدر ما هو اكتشاف بعض الملامح والمميزات التي امتازت بها حركة الامام الخميني (قدس سره) على الصعيد المرجعي.
قد تلتقي بعض هذه الانجازات مع مثيلاتها في المرجعيات السابقة، الا ان الشيء الذي يمكن إن نتفق عليه هو ان قيمة الانجاز التاريخي ياخذ موقعه واهميته من واقع المرحلة التي تفرز ذلك الانجاز او الحدث.
وبناءا على ذلك، يمكن ان نستعرض ولو بايجاز اهم، انجازات الامام الخميني (قدس سره) على صعيد حركة المرجعية:
اولا: حقق الامام الخميني وهو على رأس اعلى سلطة في الدولة الاسلامية انسجاما تاما بين مهمة العالم الديني ورجل الدولة، وقد بقي (قدس سره) وفيّاً طيلة السنوات التي عاش فيها بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران لمسلكه كمرجع للمسلمين وكعالم دين يعظ الناس ويرشدهم الى طريق الصواب وهذه ميزة اختص بها (قدس سره) فالمرجعيات السابقة لم تُبتلى بتسلّم الحكم او ادارته، وان كانت مرجعيات كبرى لها اسهامات كبيرة على صعيد مقارعة انظمة الظلم والجور، الا ان الشيء المميز عند الامام (قدس سره) هو انه في الوقت الذي كان فيه يرد على استفتاءات الناس فيما يتعلق بالاحكام الشرعية فأنه كان يصدر تعليماته وتوجيهاته الى ارباب الدولة والحكام وكانه يمارس عملية ذات طبيعة واحدة.
ثانياً: استطاع الامام الخميني (قدس سره) ان يخلق تيارا قويا بدا ينتشر في الاوساط الحوزوية ويتحول الى منهج وخط، وهذا التيار القوي هو المنهج الداعي الى ضرورة معايشة طلاب وعلماء الحوزات العلمية للجمهور ومشاكله وهمومه.
لقد لاحظنا وفي فترات سابقة ان هناك دائما مسافة من الحواجز الاجتماعية والسلوكية والنفسية في بعض الاحيان تفصل عالم الدين او طالب الحوزة العلمية عن بقية المجتمع، ولعل هذا الحاجز يعود الى اسباب تاريخية او وهمية في بعض الاحيان، او عوامل آخرى تنبع من اختلاف في البيئة الاجتماعية التي افرزت عالم الدين والبيئات الاجتماعية لعامة الناس، او فروقات لسانية تجعل من عملية الاحتكاك والمعايشة والاندكاك مسألة تواجهها عراقيل عديدة.
ان الشيء الذي تحقق على يد الامام الخميني (قدس سره) في هذا الجانب يعتبر قفزة كبيرة، بلورت العديد من المفاهيم السلمية حول دور ومهمة عالم الدين، واسقطت مفاهيم أخرى طرأت على طبيعة العمل المرجعي طيلة الفترات السابقة بفعل بعض الظروف التاريخية القاهرة التي دفعت بالمرجعية الى محاولة تجنب الاحتكاك اليومي بالجمهور.
ان هذاالانجاز الذي تحقق على هذا الصعيد لم يكن نتيجة لتحرك عفوي بل لانشك انه كان تحركاً مدروساً وضعت فيه اعتبارات كثيرة ودرست فيه الصعوبات وعوامل النجاح والفشل، فالامام عندما بدأ حركته السياسية من موقعه المرجعي بدأ بطلابه  وتلاميذه وهم من العلماء وعن طريق هؤلاء انتقلت ارائه وتوجيهاته الى عموم الناس، وقد دفع نتيجة لهذا التحرك ضريبة كبيرة راح ضحيتها المئات من تلاميذه ومريديه خلال حملات الابادة الجماعية التي شنها نظام الحكم السابق.
كما ان التركيزعلى هذا الجانب وهو ضرورة الالتحام بين الحوزة العلمية والمرجعية وبين حركة الشارع يعتبر في الواقع فهما دقيقا لمفردات وادوات التغيير في الامة، وقد نجح الامام الخميني (قدس سره) في ذلك نجاحا كبيرا، وفي اعتقادنا ان هذا المنهج هو الذي سيستمر ويفرض نفسه للحقب الزمنية القادمة لان حركة النهضة الاسلامية التي بدأت في مطلع الثمانينيات من هذا القرن لايمكن ان تستمر دون استمرار هذا التلاحم لارتباط ذلك بالابعاد الشرعية والانسانية والاجتماعية.
ثالثا: تميزت مرجعية الامام (قدس سره) بالعالمية، فطيلة السنوات العشر التي عاشها الامام بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، كان اسم الامام الخميني(قدس سره) يتردد في الاوساط الدولية والاروقة السياسيةوعلى السن الناس في كل مكان وكل هذا الجمع ينقسم الى عاشق ومحب ذائب في حبه، والى عدو ينفث سمّه واباطيله واكاذيبه.
وهذه واحدة من ملامح العالمية وهناك ملمح آخر، وهو دعوته المستمرة للوحدة بين المسلمين واهتمامه الكبير بهذا الجانب، وقد استطاع بمنهجه المنفتح، واسلوبه الحريص على مصلحة الاسلام ان يكسب الى صفّهِ علماء عرفوا الحق من اهل السنة ممن لم تنطلي عليهم احابيل اعداء الاسلام، يضاف الى ذلك فانه ما فتيء يطالب بحقوق المسلمين في كافة العالم يرفع عنهم ظلاماتهم. ان الشهرة التي نالها الامام الخميني (قدس سره) على المستوى العالمي فتح الباب امام اتباع مذهب اهل البيت ليُعرِّفوا انفسهم للعالم بعد ان حاولت الحكومات الظالمة طيلة القرون الماضية سحقهم وتغييبهم عن التاثير في الاحداث.
ان المميزات التي امتازت بها حركة الامام الخميني (قدس سره) على صعيد المرجعية كثيرة بدون شك، لكننا تعرضنا بشئ من الايجاز لثلاثة من تلك المميزات لما لها من اهمية خاصة على صعيد الحركة المرجعية عند الشيعة.

اثير الانصاري- مجلة لواء الصدر، رقم 503، 2/6/1991 م


ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء