ابراهيم باي سلامي
(الثورة الاسلامية في ايران قبس من عاشوراء و نهضته الالهية العظيمة)
الامام الخميني
لا شك في أن ثورة الشعب الايراني المسلم، وكما قال الامام الخميني، مستلهمة من نهضة عاشوراء الحسين، التي تتطابق معها في الخلفية والنهج والاهداف. وأن ما يستدعي التأمل في هذا الصدد هو أن كلتا الثورتين إندلعتا بوحي من استلهام تعاليم الاسلام التي تدعو الي الاصلاح والتغيير في المجتمع، والقابلة للاقتداء والاتباع في كل عصر وزمان.
يحاول هذا المقال تسليط الضوء علي الأساليب والنماذج المشتركة التي إتبعها الامام الحسين (عليه السلام) وسماحة الامام (قدس سره)، في الاصلاح والتغيير والتصدي للانحرافات التي طرأت في المجتمع.
اولاً- تغيير النظرة الي الدين و محاولة اصلاح المجتمع
يعتبر الدين احد المصادر الرئيسية للثقافة في المجتمعات الانسانية، وان صلاح وفساد كل مجتمع مرهون بصلاح وفساد الفكر الديني السائد في ذلك المجتمع. ويوضح التاريخ أن حكّام الجور حاولوا - في الأعم الاغلب- استخدام الدين بمثابة وسيلة لتبرير حكمهم وسلطاتهم، وكانوا يعتبرونه ليس أكثر من أداة لإسكات الجماهير وابعادها عن مسؤولياتها الاجتماعية.
لقد عقد الامام الحسين (عليه السلام)، بصفته تجسيداً للاسلام المحمدي (صلي الله عليه وآله)، العزم بثورته علي التصدي للتأويلات المنحرفةوالتصورات الخاطئة التي انتشرت عن الدين وتفنيدها، ولفت انظار الناس – من خلال احياء الدين الحقيقي- الي ابعاد الدين الحيوية والهادفة والبناءة، ولهذا أعلن موضحاً:
(إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي،أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب).
ينهض الامام الحسين (عليه السلام)،الذي هو عصارة الاسلام المحمدي، ليوضح للناس بأن ما يروج له بني أمية لتبرير حكمهم، ليس من الدين، وأنه مجرد خديعة وتضليل يروج لها باسم الدين، لأن الدين لا يقتصر علي العبادات الفردية والجمعة والجماعة دون الاهتمام بأمور المسلمين، ولهذا فان الاسلام الحقيقي لا ينسجم مع وجود هذا الحكم.
الامام الخميني (قدس سره) هو الآخر يضع اصلاح الفكر الديني في طليعة اهتمامات النهضة الاسلامية، ويعمل عليالتخلص من التصورات الخاطئة الرائجة عن الدين من خلال إثارته موضوع عدم الفصل بين الدين والسياسة، ولفت الانظار الي أن الاسلام عبارة عن دين اجتماعي- سياسي، و يحرص علي التعريف بمختلف أبعاده التي ينبغي أن تتجلي في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا الصدد يقول سماحته:(أننا مكلفون بتبديد الغموض الذي احاطوا به الاسلام. فاذا لم نتمكن من ازالة هذا الغموض والإبهام من الأذهان، لن نتمكن من فعل شيء). (الحكومةالاسلامية،ص130).
ثانياً- رفض التطبيع مع حكّام الجور
السكوت إزاء الحكومةالباطلة، واللاإبالية تجاه اوضاع المجتمع، يؤدي الي ترسيخ واستفحال المعايير و القيم المناهضة للدين، ويضفي المشروعية الاجتماعية والسياسية عليالقوي المتجبرة والمستبدة. وماهو واضح وجلي في ثورة كل من الامام الحسين و الامام الخميني، هو أن كلتا النهضتين اعلنت منذ البداية رفضها للاوضاع المتردية وتصديها لحكّام الجور. و لما اراد معاوية، خلافاًلسيرة رسول الله، أن يأخذ البيعة من الامام الحسين لإبنه يزيد ليخلفه في الحكم الاموي المتوارث، قوبل بمعارضة الامام ورفضه. ومن خلال نهضته العاشورائية أوضح الامام الحسين بأنه من المحال أن ترضي شخصية تعتبر أسوة للاسلام المحمدي بهذا الذل، وأن تؤيد الاسلام المنحرف: (مثلي لايبايع مثله).
الامام الخميني ايضاً، فعل ذلك مقتدياًبالامام الحسين (ع)، وتحمل عناء ومشقة في مقابل الحكومة الطاغية، ومن خلال صموده ورفضه للخنوع والاستسلام، أثار الشكوك لأول مرة في تاريخ ايران، حول مشروعية النظام الشاهنشاهي الاجتماعية والسياسية. وأن روحية التحرر ومقارعة الظلم التي اتسم بها نهج الامام الحسين (ع)،قد تجلت في وجود الامام الخميني. وفي هذا الصدد يقول سماحته:
(لقد علّم سيد الشهداء – سلام الله عليه- الجميع ما ينبغي فعله امام الظلم وفي مقابل حكّام الجور). (صحيفة الامام، ج17، ص52).
ويمضي بالقول:
(لقد علّمنا إمام المسلمين بأنه عندما يفرض طغاة العصر حكمهم الجائر علي المسلمين، لابد لنا من النهوض والتصدي لهم حتي وإن كانت قوانا تفتقر الي التناغم والانسجام. فاذا ما رأيتم المخاطر تهدد كيان الاسلام، لا بد لكم من التضحية وتقديم الدماء). (صحيفة الامام،ج5، ص75).
ثالثاً- الاهتمام بدور الجماهير
النهضات الثورية والاصلاحية تعمل في العادةعلي زعزعة النظام الاجتماعي،وتترك تأثيرها علي آراء وافكار الناس. وان الامام الحسين (ع) والامام الخميني (قده)، كلاهما أولي اهمية بالغة لدور الجماهير ومشاركتها في النهضة الاسلامية. ونظراًللتباين الاساسي بين الثورتين من حيث الزمان والظروف الاجتماعية، لا يمكن المقارنة بينهما بالنسبة للمشاركة الشعبية والترحيب الذي حظيتا به.
ففي سنةستين للهجرة حيث بدأ الامام الحسين (ع) نهضته، كانت ثمة ظروف خاصة حاكمة في المجتمع،وعندما علم الناس في الكوفة بقيام الامام، وجهّوا اليه رسائل كثيرة يدعونه للقدوم. و رغم كل الظروف والاوضاع التي كانت سائدة في المجتمع،استجاب الامام الحسين(ع) لهذه الدعوات، مما يلفت الانظار الي أنه كان يولي اهمية بالغةلمشاركة الجماهير وتلبيتهم لنداء طلب النصرة.
بيد أن الامام الخميني كان قد انطلق بثورته في مجتمع متفاوت عن المجتمع الذي كان في عصر الامام الحسين (عليه السلام) . فبعد أن أقتنع سماحته بوجود الارضية المناسبة للقيام ضد الحكم المستبد الظالم، كرّس جهوده علي مديسنوات طويلة، لتوعية الجماهير واعداد الارضية لمشاركتهم في الثورة الاسلامية. وفي هذا الصدد يقول سماحته:(إذ ما استطعنا أن نوقظ الشعب ونطلعه علي مؤامرات الشاه، و سعينا للحيلولة دون إنطلاء الحيل عليه، وتخديره من الوقوع تحت تأثير خطط الشاه المخادعة، فسوف نهزمه بالتأكيد... ان اعظم عمل يتسني لنا اداؤه هو توعية الشعب وإيقاظه، وحينها سترون القوة العظيمة التي ستتوفر لدينا و التي لا تقهر). (صحيفة الامام،ج1، ص147).
رابعاً- تشكيل الحكومةالاسلامية
ليس خافياًعلي أحد دور الحكومات في اصلاح المجتمعات وإفسادها. والاسلام دين جامع لايتسنيتطبيق مبادئه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من دون تشكيل حكومة. وحول مدي أهمية ذلك يقول الامام الخميني:
(أن حياة سيد الشهداء،وحياةالامام صاحب العصر سلام الله عليه، بل و حياة جميع الانبياء منذ بدأ الخليقة، الجميع كرسوا حياتهم لمقارعة حكّامالجور والسعي لإقامة حكومة العدل). (صحيفة الامام،ج21، ص4).
ويريالامام الخميني أن (عدم تشكيل حكومةالحق)،يعد من أبرز نقاط ضعف المجتمع الاسلامي واكثر تأصلاً،حيث يقول سماحته:(لو أنهم سمحوا بإقامةالحكومةالتي ارادها الاسلام،وتنصيب الحاكم الذي أمر الله تبارك و تعالي بتعيينه،وعينه الرسول الاكرم (صليالله عليه وآله)، ولو كانت الفرصة قد اتيحت لتأسيس الحكومةالاسلامية، و يكون الحاكم منتخباً ومنصوباً من قبل الله تعالي، لكان ادرك الناس ماهية الاسلام ومعني الحكومةالاسلامية). (صحيفة الامام،ج2، ص338).
ولهذا فان أفضل السبل لإصلاح المجتمع – وفقاًللرؤية الخمينية- يكمن في:(السعي لإرساء أسس إقامةالحكومةالاسلامية الحقة... كي يتسنيايجاد تحرك اجتماعي، ويسعي بالتدريج الي بلورةالجماهير الواعية والمتدينة والمدركة لمسؤولياتهاداخل النهضة الاسلامية، ومن ثم أن تنتفض وتثور لإقامة الحكومةالاسلامية).(ولاية الفقيه،ص128).
خامساً – إحياءالمبادئ والقيم الاسلامية
في كل مجتمع من المجتمعات البشرية، يكتسب النظام الاجتماعي إنسجامه من خلال القيم والتوجهات والمشاعر المشتركة بين أفراد المجتمع، والتي تميزه عن المجتمعات الأخري. ويتمتع الاسلام بمبادئ وقيم وتوجهات إذا ما تسنيلها أن تتجلي و تنتشر، سوف تعمل علي تغيير افراد المجتمع وتحولهم من الداخل، ليكتسب كل فعل من أفعالهم الفردية والاجتماعية مفهومه الخاص وينفرد باسلوبه. وقد عمل الامام الخميني (قدس سره) والامام الحسين (عليه السلام)،الذي كان وجودهما تجسيداً لهذه المبادئ والقيم، علي إحيائها علي صعيد الاعتقاد وفي الواقع. علماًأن هذه المبادئ والقيم ذات منشأ الهي،وأن حيويتها وقدرتها علي الفعل والتأثير لا يقتصر علي مكان او زمان معينين.
وثورة الامام الحسين (عليه السلام) التي انطلقت سنة ستين للهجرة، كانت نبعاًمتدفعاًلهذه القيم المتسامية. وبفضل هذه الثورة استطاع ابن رسول الله أن يحيي دين النبي محمد (ص) ويجعله فاعلاًومؤثراً علي مرّالتاريخ. والامام الخميني (قدس سره)،واقتداءاً بالامام الحسين (عليه السلام)، استطاع أن يقطف ثمار هذه النهضة العظيمة،وأن يعمل من جديد علي احياء مبادئها وقيمها في المجتمع الاسلامي. وفيما يلي عدد من القيم المشتركة التي جسدتهما هاتان النهضتان المقدستان:
1- المقاومة والصمود والمثابرة في مقارعة الظلم.
2- احياءروحية التحرر ورفض الذل.
3- الشجاعة و الشهامةو اجتناب النفعية و الدعةو الاساليب التبريرية.
4- احياء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحياء العبادات الأخري.
5- احياءالقيم الاخلاقية نظير المروءة و الايثار و....
6- الايمان بالجهاد في سبيل الله.
7- احياءروحية الاندفاع نحو الشهادة.
تلخيص واعداد: معاونية الشؤون الدولية في مؤسسةتنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره)