بقلم: الدكتور محمدعلي الحسيني
صرخة الحقب
من عهد آدم والأيام تعصب بي وخنجر الغدر مغروزٌ على الحقبِ
حملت هابيل نعشاً عزّ ناصره حتى تواري بأثواب من التّرب
ورحت أصطرع الطوفان في لججٍ من الجبال بألواح من الخشب
وقد هجمت بفأسي وسط ملحمة من التماثيل في كفٍ من الغضب
اُكسِّرَ الصنم المصنوع من قدرٍ يقضي على الفكر أن يخبو من اللّهب
يقضي على العاطفات اللدّن عاطرة بما تضوّع من عود الهوى الرّطب
وجئت يعقوب والدنيا بفتكتها قد أحزنت قلبه في هجمة النّوب
وحال يوسف وسط الجبّ برّحه لكنّ ظلمة عينيه من الغيب
ياشيخ قافلة الآلام قُصّ لنا كيف الفراق؟ ومابلواه في الغرب؟
وقد حزنت على قلب لوالدة قد أودعت فلذة الأكباد للسّلب
وأمّ موسى على الشطآن هائمة تعانق الموج في قلب من الحبب
وكم مررت على عذراء فارعة تهزّ بالجذع كي يهمي من الرّطب
لكنّ محنتها أدمت سواعدها وما جنت غير وخز الجذع والكرب
وكم شكوت لفقد المصطفى حقباً قد آلمت كلّ صدر نائح ندب
وكيف كانت تقصّي الليل فاطمة وتنظر النجم خلف السّدف والحجب
وكم عليّ شكا للبئر لوعته وأودع الأرض أشجانا من العتب
وكم تجرّع كأس السّمّ في كبد مقروحة حسن الأخلاق والرّتب
حتى تلا فوق رمح العصر ؤأس فتيً آيات ربّ السما في لحن مغترب
حسين عصر فكيف العصر ضيّعه يا ضيعة الدين في قوم من العرب
لكنّ زينب عطر الدرب في عصر سارت تعمّق أهداف الدم السّرب
وسارت الحقب الهوجاء عاثرة بكلّ أشوس طلاع على النّجب
واليوم أشكو إلى من غاب من زمن خلف العصور بما يدري من الكرب
وإنّ أعظمها فقد الذي عقدت به الأماني لسوق الجحفل اللّجب
في حين قد جمع الأعداء عدّتهم من كل صوب وشدوا الخيل للحرب
الآن ترحل عنّا؟ قد عجبت لها! لكنّما الدهر مجبول على العجب
الآن ترحل عنّا؟ قد صرحت بها: لا، أوقفي الرّكل فالأحزان تفتك بي
الآن مات أبي، لا تبخلي مقلاً وسطّري الآن ماشئت من الخطب
فلست أكتب شعراً أو يقول فمٌ لكنها سوف تبقي صرخة الحقب
يارحلة الفكر والإيمان في جسد حدا فكان على ركب من القرب
من باحة في رُبي (شمران) عاطرة بما تسّبح فيها بضعة لنبي
قد صوّحت شرفة كانت تميس هويّ عند الهبوب بعود النّبع والغرب
وقد مضى موكب التوحيد يعنقه روح الإله إلى روض من الأدب
وخلفه تقتفي الأفلاك زاحفة مع الملائك ماسارت على الركب
وعن قريب يجطّ الركب من سفر طال المسير به في ساحة الإرب
وينزل العشق من عليا مرابضه إلى ديار حبيب القلب والطّنب
وترتوي الكبد الحرّي بما حملت من الهموم وما عانت من النّصب
والدرب ملأي بأرواح به شغفت تسير حيث مسير الشمس في خبب
جاءت تصلّي صلاة العشق واقفة خلف الإمام مطيلاً سجدة الطّرب
الشمس قد رحلت عنّا وقد غربت وغاب عنّا ضياء العين والهدب
كان النهار وكان الفجر مطلعه ومذ مضى هجمت دوامة العطب
كنّا إذا الخطب تلو الخطب باكرنا نأوي إليه فيلجو أزمة الخطب
ويستثير الدّنى فكراً وعاطفة فيزخر الكون من افق به رحب
يطّل نوراً فلا تبقي بنا ظلم ويغسل الصدر مما حطّ من ريب
إذا بدت لجميع الناس طلعته تماوج الجمع من بعد ومن كثب
فاليوم فيم التسلّى والعزاء وقد هدّ المصاب بناء الأنجم الشهب
والله لولا قضاء الله مابقيت في الجسم روح وما قرّت على القتب
إنا إلى الله نغذوها ونشربها وكم لنا غصصٌ في المشرب العذب
فالشعر، ياشاعر الاسلام، أخرسه أنّ المصاب مصاب المقول الذّرب
وفي الختام سلام بالهوى عطر من الصميم على روح بها نسبي
هيهات ترحل عنّا، وهي باقية فوق الأعالي، وفوق المجد والحسب
تظلّل الأمنيات الخضر في وتر من الملاحم صدّاح على القضب
لن يوقف النّزف جرح هادر أبداً يصيح بالجيل: جاهد بالدم الصّخب
تحدّ عاصفة الأمواج في همم من الرجال هم الطّوفان في الحلب
هم غالبوا القدر الفتّاك واقتحموا مهلهلين: لدينا صفقة الغلب
إنّا إذا اشتدّ عصف نعتلي قمماً وإن دجي الخطب لحنا فيه كالشهب
يا امّة الحقّ ما زال الطريق لنا لابدّ نقطعه بالجدّ والطلب
لابدّ يطلع فجر الله في الحقب وتشرق الشمس في خيط من الذهب
مات الخميني، لكن لم يمت أبداً روح الإله بما أبقى من العقب