ماهي علاقة الدين بالسياسة ؟ وماهي توصيات الامام الخميني (قدس سره)، للنخب والمفكرين في هذا المجال ؟

ج: بالنظر لما كان يتمتع به الامام (قدس سره) من تبحرعميق في التاريخ، خاصة التاريخ السياسي للاسلام، ثابر بالاستناد على سيرة، سنة وسلوك نبي الاسلام، العظيم(ص)، وامير المؤمنین (ع)، فیما یتعلق بتشکیل الحکومة، ... ثابر على ازالة الخمول وتنوير الراي العام، بالنسبة للقضايا السياسية وما تحمله المسلمون، لا سيما الشعب الايراني من متاعب. لم يقف سماحته (قدس سره) صامتا، امام ما يتعرض له العالم الاسلامي، من هيمنة للمستعمرين، المستكبرين والمستبدين، على مصير الدول الاسلامية، وذلك لما يقتضيه واجبه الالهي. كان سماحته يرى ان انفعال عدد من العلماء وابتعادهم عن الحكم والقضايا السياسية وانصرافهم الى المواضيع العبادية، هو من افات الحوزات العلمية الاسلامية . حسب رؤيته، فان المدرسة الاسلامية، خاصة مدرسة التشيع، سياسية وعبادية معا، حيث سعى بجد، توضيح الاحكام الاسلامية المضئية، وازاحة الغبار عن الوجه الواقعي للدين. لقد اوصى الامام (قدس سره) المجاميع المختلفة لنخب المجتمع، باعداد مشاريع وبرامج اساسية، بناءة وعملية لدعوة شرائح المجتمع المختلفة، والتيارات المتنوعة، الى الفكر الاسلامي والغور في الاحكام السياسية، الشاملة للاسلام، وتعريفها بصورة صحيحة لكافة ابناء الانسانية .

   للاطلاع على ذلك، نلفت انتباهكم الى قسم من وصية الامام، السياسية، الالهية :

"من المؤامرات المهمة – التي تبدو بوضوح في القرن الاخير وخصوصا فى العقود المعاصرة، وبالاخص بعد انتصار الثورة الاسلامية : الدعايات على نطاق واسع بأبعاد مختلفة لزرع اليأس من الاسلام في الشعوب، وخاصة الشعب الايرانى المضحيّ… تارة يقولون – بسذاجة وبصراحة – :ان احكام الاسلام التي وضعت قبل الف واربعمأة سنه لا تستطيع ادارة الدول في العصر الحاضر. او ان الاسلام دين رجعي ويعارض كل انواع التجدد ومظاهر الحضارة، وفي العصر الحاضر لا يمكن فصل الدول عن الحضارة العالمية ومظاهره. وامثال هذه الدعايات البلهاء. وتارة يعمدون – بخبث وشيطنة – الى الدفاع عن قداسة الاسلام، فيقولون : ان الاسلام وسائر الاديان الالهية تهتم بالمعنويات وتهذيب النفوس، والتحذير من المراتب الدنيوية، والدعوة الى ترك الدنيا والاشتغال بالعبادات والاذكار والادعية التي تقرب الانسان من الله، وتبعده عن الدنيا. والحكومة والسياسة وفن الادارة مناقض لتلك الغاية وذلك الهدف الكبير والمعنوي… حيث ان هذه جميعا لبناء الدنيا وذلك مناقض لسيرة جميع الانبياء العظام. ومع الاسف، فان هذه الدعاية بشكلها الثاني، قد تركت اثرها في بعض الروحانيين والمتدينين الجاهلين بالاسلام، فكانوا يرون التدخل في الحكومة والسياسة بمثابة المعصية – ولعل البعض الان كذلك – وهذه فاجعة كبرى كان الاسلام مبتلى بها. بالنسبة للفريق الاول يجب ان يقال : اما انهم جاهلون بالحكومة والقانون والسياسة،اوانهم يتجاهلون ذلك مغرضين …لان تطبيق القوانين بمعيار القسط والعدل وعدم فسح المجال للظالمين والحكومات الجائرة، وبسط العدالة الفردية والاجتماعية، ومنع الفساد والفحشاء وأنواع الانحرافات، والحرية بمعيار العقل والعدل، والاستقلال والاكتفاء الذاتي، وقطع الطريق على الاستعمار والاستغلال والاستعباد، واقامة الحدود والقصاص والتعزيرات طبق ميزان العدل للحيلولة دون إفساد المجمتع ودماره، وسياسة المجمتع وهدايته الى موازين العقل والعدل والانصاف،ومئات القضايا من هذا القبيل، وهذه الامور لا تصبح قديمة بمرور الزمان على طول تاريخ البشر والحياة الاجتماعية. هذا الادعاء بمثابة القول :ان القواعد العقلية والرياضية في القرن الحاضر يجب ان تتغير لتحل محلها قواعد اخرى… اذا كان من الواجب في مستهل الحياة الدنيا ان تطبق العدالةالاجتماعية منعا للظلم والنهب والقتل، فهل اصبح هذا النهج قديماً اليوم لأننا في قرن الذرّة ؟وادعاء ان الاسلام معارض للتجدد على طريقة محمدرضا بهلوي المخلوع، الذي كان يقول : هؤلاءيريدون ان يسافروا في هذا العصر بواسطة الدواب، هذا ليس الا اتهاما ابله لا غير لانه اذا كان المراد من مظاهر الحضارة والتجدد والاختراعات والابتكارات والصناعات المتطورة، التي تؤثر في تقدم البشروتمدنهم… فلا الاسلام، ولا اي دين توحيدي يعارض ذلك ابدا ولن يعارض، بل ان العلم والصناعة محل تاكيد الاسلام والقرآن المجيد. واذا كان المراد من التجدد والحضارة ذلك المعنى الذي يطرحه بعض المثقفين المحترفين، وهو: الحرية في جميع المنكرات والفحشاء، حتى الشذوذ الجنسي وما شابه، فان جميع الاديان السماوية والعلماء والعقلاء يعارضون ذلك، بالرغم من ان المنبهرين بالغرب او بالشرق يروجون لذلك بناء على تقليدهم الاعمى. واما الفريق الثاني، الذين يؤدون دورا مؤذيا، ويرون فصل الاسلام عن الحكومة والسياسة، فيجب ان يقال لهؤلاءالجهلة : ان نسبة احكام القران الكريم، وسنة رسول الله – صلى الله عليه واله – في الحكومة والسياسة، لا تقاس بها ابدا نسبة الاحكام في سائر الامور، بل ان كثيرا من احكام الاسلام العبادية هي عبادية سياسية، والغفلة عنها هي التي أدت إلى هذه المصائب. لقد اقام رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم – حكومة كسائر حكومات العالم،لكن بدافع بسط العدالة الاجتماعية. والخلفاء المسلمون الاوائل كانت لهم حكومات مترامية الاطراف، وحكومة علي بن ابي طالب – عليه السلام- كانت ايضا لذلك الدافع على نطاق اوسع واشمل،. وهذا من واضحات التاريخ.وبعد ذلك استمرت الحكومة باسم الاسلام . والان فان ادعياء الحكومة الاسلامية اتباعا للاسلام والرسول الاكرم – صلى الله عليه واله – كثيرون.
حكومة الحق من اسمى العبادات
انني في هذه الوصية اكتفي بالاشارة.. ولكني امل ان يتولى الكتّاب وعلماء الاجتماع والمؤرخون اخراج المسلمين من هذا الخطأ. واما ما قيل وما يقال من ان مهمة الانبياء – عليهم السلام – هي المعنويات . والحكومة وفن الادارة من الدنيا المطرودة، والانبياء والاولياء والعظماء كانوا يجتنبونها، ونحن يجب ان نكون كذلك، فهو خطا مؤسف ونتائجه جرّت الشعوب الاسلامية الى الدمار، وفتح الطريق للمستعمرين مصاصي الدماء…لان المرفوض هو الحكومات الشيطانية والديكتاتورية والظلم، حيث ان ذلك يكون بهدف التسلط .والدوافع المنحرفة. والدنيوية التى حذر منها الانبياء هي جمع الثروة والمال وحب السيطرة والطغيان – وفي نهاية المطاف – الدنيا التي تسبب غفلة الانسان عن الله تعالى. واما حكومة الحق لصالح المستضعفين، والحيلولة دون الظلم والجور،واقامة العدالة الاجتماعية كما فعل سليمان ابن داود ونبي الاسلام العظيم الشان -صلى الله عليه واله- واوصياؤه العظام، فانها من اعظم الواجبات، واقامتها من اسمى العبادات،كما ان السياسة السليمة التي كانت في هذه الحكومات هي من الامور اللازمة". (وصية الامام الخميني)

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء