بسم الله الرحمن الرحیم.
تواجد الانسان على وجه الارض، وما ينبعث منه من امور جمة لا تحصى في كافة مراحل حياته، ابتداء من خلقه کجنين، وولادته طفلا، ثم حدثا وشابا، وبلوغه الكهولة والشيخوخة ... الى عودته مرة اخرى لمنبته الاصل، وامتزاجه بالتراب الذي صيغ منه ... كل ذلك يوحي، بان هذا المخلوق الذي يدب على كرة (التراب )، لم يخلق عبثا ولم يطو المعمورة، تاركا بصماته فيها على كل شيئ، اعتباطا ولهوا ! وما يتميز به من لون في بشرته او كلام في لسانه، او طول وتوسط وقصر في قامته، الا علامات فارقة في المحيط الذي يعيش فيه ولا غير !. فمنذ الازل الاول، عهد ابينا ادم عليه السلام ولحد الان، لا تزال التكهنات تدور حول هذا الموجود، ولا تزال الابحاث والدراسات قائمة على قدم وساق، لمعرفة سر وعلة الوجود ... سر الخليقة وعلة وجود الحياة سارية الى يوم البعث ... ولكن، كلما تقدم العلم وتطور وازداد نموا، ازدادت علامات الاستفهام وارتفع منسوب (المجهول) الى ما لا نهاية ! ... وما الجهل بالروح وكنه الروح، وحيرة الانسان العالم، وتخبطه في هذا التيه المترامي الاطراف، الا دليل على ذلك. فهم يسالون عن الروح ... " ... قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا. " _ (1) ... فما حصلت عليه البشرية اذن، لا يمكن اعتباره علما كاملا، محيطا، خاليا من امور مبهمة ومظلمة ! ... وعندما زلت قدم اول المخلوقات واول الانبياء علیهم السلام، وام البشر وبدت " ... لهما سواتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ... " _ (2)، وتكلل ذلك بسفك دم اخ لاخيه، واقدم قابيل على " ... قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين ." _ (3)، ظهرت اول بوادر الظلم والابتعاد عما اراده الله تعالى لهذا المخلوق، الذي سجدت له الملائكة اجمعين الا ابليس، وضاعت العدالة بين هذا وذاك ! ... فالشيطان الرجيم، لم يتحمل موجودا افضل منه ! فشعر بالظلم الذي احاط به جراء ذلك ! معترضا على الله عز وجل ... " ... انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ... " _ (4). وهكذا توالت الاعصار بما فيها، وتوالى الرسل والانبیاء (ع)، لانقاذ الانسان التائه واعادته الى مساره الحقيقي، مسار الله القادر المتعال ومسار من بعثهم الله جل جلاله، منذرين ومبشرين، وجاءت اديان سماوية، حاملة لالواح الحق والعدالة، والهداية الى الطريق القويم، واختتمت بمبعوث امين، رؤوف، مضح، من ارومة طيبة الاعراق ... واكتمل الدين الحنيف، الاسلام، ببزوغ شمس رسول كريم، ودين كريم تعالى على كافة الاديان الالهية، حيث خاطب الباري عز وجل الناس، مبشرا اياهم بذلك ... " لقد جاءکم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ." _ (5)، حاملا لواء العدالة الاسلامية، بما احتوته من مفاهيم ومضامين، ومبددا الظلمات الجاهلية، بكل ما قامت وارتكزت عليه. الا ان ذلك كله، لم يثن الشيطان واقزامه من التامر والكيد، على الدين العظيم واتباعه، ولا تزال مكائده سائرة، ماضية الى اليوم ! وقواعده وقلاعه قائمة، رغم التاكل والانهيار اللذين تتعرض لهما ! ... في امريكا، وهي قاعدة الشيطان الاولى وركيزة ادواته، وفي ارض فلسطين المقدسة المحتلة، حيث قطعان البهائم الصهاينة تمرح وتسرح ... وفي اماكن اخرى، يدعي حكامها، انهم مسلمون ومقيمون للصلاة ! وتلك بلية اصابت المسلمين جميعا وشر البلية ما يضحك ! ... فمهما تطاول الشياطين الاقزام وسيدهم الشيطان الاكبر، امريكا، فالقافلة ظافرة، تخطو خطى حثيثة، راسخة ولا يهمها نباح كلاب هنا وهناك ! ... وجاءت الثورة الاسلامية المباركة، في عصر اسدل على المسلمين ظلامه، وادخل الياس الى قلوبهم، واشعرهم بانهم ارادوا ام ابوا، فان مصيرهم ما يقرره السلطويون، ولا حول لهم في ذلك ولا قوة ! ... جاءت الثورة لتمحو جميع ما خطط له الشيطان واتباعه، وانتصرت بمعجزة من الله المتعال، حيث واجه الشعب الايراني المسلم، بكافة شرائحه، وبايد خالية، واجه اكبر قوة عسكرية، انذاك، في الشرق الاوسط وانتصر عليها، باذن الله جل جلاله، واسقط عرشا امتد لالفين وخمسمائة عام ! بقيادة عبد من عباد الله تعالى المخلصين، ورجل من رجال ال البيت عليهم السلام ... بيت الشهادة والتضحية والولاء، واطلقها صرخة مدوية، اهتز لها العالم كله ... " لا يمكن قبول او صدور اعمال تتنافى مع المعايير الالهية والاخلاقية، الاسلامية الكريمة، من قبل الذين لا يعباون بالقيم المعنوية ." _ (6) ... جاء ليعيد العدالة الاجتماعية المسلوبة، والكرامة الانسانية المهدورة، الى مكانتهما الواقعية، الحقيقية و" ... ان يقوم السلام العالمي على اساس استقلال الشعوب وعدم التدخل في شؤون الاخرين، واحترام مبدا وحدة اراضي المنطقة ." _ (7) ... و" ان قيمة المرء في الحكومة الاسلامية، هي لمن تكون تقواه اكثر من غيره، لا لمن تكون ثروته وماله وقوته اكثر. " _ (8) ... هذا هو الاسلام الاصيل ... وهذا هو القائد المحنك، الذي قاد المسلمين في ايران، للاطاحة بدمية كبيرة من دمى الاستعمار العالمي، وبشرطي شرس، متغطرس من اقزام الشيطان الاكبر ... انه الامام الخميني (قدس سره) حفيد ال البيت عليهم السلام، ومفجر الثورة الاسلامية المظفرة، القائل ان : " الامة الاسلامية تؤمن بعقيدة لخص منهجها في كلمتين _ لا تظلمون ولا تظلمون _ " _ (9)، فهو في الحقيقة، محيي العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، والمجاهدفي سبيل الله تعالى، الذي نذر نفسه للاسلام ورفعة الاسلام وشعاره، ان " ... كلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" (10).
_______
1- الاية 85، الاسراء.
2- الایة 121، طه.
3- الاية 30، المائدة.
4- الاية 12، الاعراف.
5- الاية 128، التوبة.
6- صحيفة الامام العربية، ج 17، ص 122.
7- نفس المصدر، ج 12، ص 129.
8- نفس المصدر، ج 21، ص 391.
9- نفس المصدر، ج 4، ص 234.
10- الاية 40، التوبة.
_______
د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولیة، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره) .